لبيئة نقية ومستدامة 

 
أصبح التلوث البيئي من بين المشكلات الخطيرة التي يعانيها العالم، وتفاقمت مخاطره وتعددت مظاهره مع انتقال آثاره إلى الدول كافة، الأمر الذي يدفعنا إلى ضرورة العمل على تحقيق تنمية مستدامة تحافظ على البيئة، وتضمن احتياجات الأجيال المستقبلية، وتحقق شفافية واضحة لفهم العلاقة بين الاقتصاد والعوامل البيئية ومصطلحات الجوانب المالية ودور الشركات في التخفيف من الآثار البيئية والمحافظة على المناخ والحد من تغيراته ومخاطره.

وضمن تقرير المخاطر العالمية GRR، الذي يصدره دوريا المنتدى الاقتصادي العالمي الدولي، أوضح أن البشر يمثلون ما يعادل 0.01 في المائة فقط من جميع الكائنات الحية على الأرض، لكنهم يتسببون في انقراض 83 في المائة من جميع الثدييات البرية ونصفها من جميع النباتات، وهو معدل مرتفع جدا إذا ما تم قياسه بمتوسط عمر البشر.

كما أكد التقرير الدولي أن هذه المعدلات تتزايد بشكل مقلق، بسبب أنماط الإنتاج والاستهلاك الحالية، ما يستدعي إعادة ضبط العلاقة بين البشرية والطبيعة. وقد ظهر من خلال المسح الشامل للمخاطر التي تواجه العالم، أن فقدان التنوع البيولوجي وانهيار النظام البيئي، يعدان من أهم خمسة مخاطر من حيث احتمالية الحدوث وحجم التأثير في الأعوام العشرة المقبلة، كما لا يزال تغير المناخ خطرا كارثيا، خاصة أن التنوع البيولوجي انخفض 60 في المائة منذ عام 1970، وهذا له آثاره السيئة في السلسلة الغذائية البشرية، وبالتالي في الصحة والتنمية الاجتماعية والاقتصادية، بل حتى الأمن الإقليمي.

وأشارت تقارير إعلامية إلى أن تدهور الأراضي سيؤدي إلى خفض الإنتاجية الغذائية العالمية 12 في المائة، وأن يهاجر الملايين من الأشخاص والحيوانات، ما يؤدي إلى زيادة الاتصال بين البشر والأنواع البرية، الأمر الذي يعزز فرص ظهور وانتشار الأمراض، مثل كوفيد - 19. وعندما تصدر تقارير دورية من مؤسسات دولية معتبرة، مثل المنتدى الاقتصادي العالمي، مدعمة بالأدلة والبراهين العلمية وتنذر بهذا المستوى الكارثي، فإن على السياسيين اتخاذ خطوات جادة لتهدئة المجتمعات.

وقد أوجدت الأمم المتحدة اتفاق باريس 2015، للحد بشكل كبير من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، والحد من زيادة درجة الحرارة العالمية في هذا القرن إلى درجتين مئويتين، مع السعي إلى الحد من الزيادة إلى 1.5 درجة، كما يطالب الاتفاق بإنشاء إطار للرصد والإبلاغ الشفافين عن الأهداف المناخية للدول. ورغم الجهود، فإن مسألة الإبلاغ والشفافية ظلت دون خطوات واضحة.

لكن أخيرا، اتفقت مجموعة الدول السبع الصناعية، أن تخطو خطوة كبرى باتجاه الشفافية على الصعيد البيئي، وذلك بإلزام الشركات بكشف المخاطر البيئية، والإبلاغ عن البيانات المالية المرتبطة بالبيئة، التي توفر معلومات موثوقة ومفيدة في عملية اتخاذ القرارات بالنسبة إلى أطراف السوق. والإفصاح عن البيانات المالية المتعلقة بالجوانب البيئية، ظل مسألة اختيارية حتى الآن، ولا يوجد إلزام من قبل الجهات المنظمة للأسواق المالية يجبر الشركات على هذا النوع من الإفصاح، وفي مقابل ذلك، فإن المعايير المحاسبية التي تعمل كإطار لإنتاج المعلومات المالية، تركز على قياس وعرض النتائج المالية قصيرة المدى، ولا تعكس بشكل الأثر الاقتصادي في الصحة والبيئة والطبيعة، ولا يزال الطلب على مثل هذه البيانات محدودا، خاصة في الدول النامية، ولم يدرك كثير من المستثمرين تلك العلاقات بين القرارات المالية والأحداث الاقتصادية عموما، وبين الآثار والوضع الصحي والبيئي عموما.

ولهذا، فإن تحقيق أهداف الأمم المتحدة بشأن البيئة والاستدامة يتطلب حتما إلزاما حكوميا بشأن هذا الإفصاح والإبلاغ، ذلك أنه لم يكن مجديا انتظار الأسواق المالية والمستثمرين لتعزيز الطلب على هذه البيانات. وأكد الاتحاد الدولي للمحاسبين IFAC دعمه لاتفاق باريس، لكنه حث الحكومات على اتخاذ إجراءات حاسمة بقدر أكبر من اليقين لقطاع الأعمال، وتشجيع الاستثمار في التكنولوجيا والابتكارات منخفضة الانبعاثات، والانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون وفق سياسة سوقية، ومبادرات تنظيمية، وحوافز ذات صلة بإعداد التقارير.

لهذا، فإن نوعية البيانات المطلوبة وأشكال التقارير المالية ذات الصلة، تحتاج إلى اتفاق عالمي. وفي هذا الجانب، فإن أكبر خطوة تحققت هي اتفاق وزراء المالية للدول السبع، على تشكيل "مجموعة العمل حول البيانات المالية المرتبطة بالطبيعة"، لأنه سيسهل التفاهم بشأن تطوير مبادئ محاسبية ذات معايير مقبولة عموما.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي