الصوت النسائي الوطني خارج اهتمام الخطوط السعودية
الخطوط الجوية العربية السعودية ناقلنا الوطني الأول، احتلت مكانة كبيرة ودون منافس في قلوبنا في طفولتنا وشبابنا، وفي شيخوختنا لا تزال كذلك تحتل المكانة نفسها على الرغم من وجود المنافسين لها محلياً ودولياً، وكم كنا نسعد في الخارج عندما نشاهد طائراتها وموظفيها وكأننا شاهدنا قطعة غالية من أرض الوطن، بل كنا نزداد شوقاً للوطن عندما نسمع داخل طائراتها نغمة "وطني الحبيب"، لقيثارة الأرض الراحل طلال مداح، هذه المشاعر من الحب والولاء والانتماء للخطوط العربية السعودية حفزتني لأن أعتب عليها في مقالتين سابقتين في هذه الزاوية، عملاً بالمثل الشعبي " العتب من المحبة"، ففي المقالة الأولى كتبت عن محدودية الفرص الوظيفية المتاحة للمواطنات في الخطوط الجوية العربية السعودية، وفي المقالة الثانية عتبت عليها عدم مراعاة خصائص العملاء المحليين باستخدام اللغة الإنجليزية في تذاكرها، وما يؤسف له لم تجد مقالاتي تجاوباً على الإطلاق، ومع ذلك سأستمر في طرح العتب الثالث آملة أن تتكرم "الخطوط السعودية" بالرد عليه.
منذ ما يقارب شهرين كنت مسافرة في رحلة داخلية من مدينة جدة إلى الرياض على متن "الخطوط السعودية"، وبعد إغلاق أبواب الطائرة استعداداً للإقلاع، خشعت نفوسنا ونحن نصغي إلى دعاء السفر بصوت أحد الإعلاميين المشهورين من أبناء الوطن، أما تعليمات الأمن والسلامة على الطائرة فقد تابعناها على شاشة العرض مصحوبة بصوت نسائي يتحدث اللغة العربية بتصنع غير مقبول على النفس، ولكنه بالتأكيد صوت نسائي غير سعودي.
ومع تعودنا على سماع هذا الصوت منذ أعوام، ولكن في هذه الرحلة بالذات استثار أفكاري, وجعلني أمضي أغلب وقت الرحلة أحدث نفسي لأجيب عن تساؤلاتي العديدة، وأولها: هل هذا الصوت نسائي سعودي؟ وإذا كان الجواب بلا، فالتساؤل الثاني وهل لابد أن تقرأ تعليمات الأمن والسلامة أصوات نسائية؟ وإذا كان الجواب بنعم، فالتساؤل الثالث هو: ألا يوجد لدينا إعلاميات سعوديات مؤهلات وناشئات يتمتعن بقوة الصوت وسلامة اللغة ليقدمن لنا تعليمات الأمن والسلامة بطريقة تشد انتباهنا بدلاً من هذا الصوت الغريب؟ والتساؤل الرابع هو: هل تعرف الخطوط الجوية السعودية أساليب الوصول إلى هذه الأصوات الوطنية لتمنحها الفرصة بالمشاركة؟ والتساؤل الخامس هل تخشى الخطوط السعودية الاصطدام مع المجتمع، إذا كانت من تقرأ تعليمات الأمن والسلامة صوتاً إعلامياً وطنياً ناشاً؟ والتساؤل الأخير هو لدى الخطوط السعودية ثقة في قدرات الإعلاميات المواطنات في القيام بهذه المهمة السهلة؟ حقيقة لم أطرح تساؤلاتي على أحد الملاحين أثناء الرحلة لعلمي أن الإجابة بالتأكيد ليست من اختصاصه، ولم تجلس بجانبي خلال الرحلة مسافرة تشاطرني الحديث وتجيب عن تساؤلاتي، لذلك رأيت أن أطرحها على القارئ الكريم كي يجيب عنها.
عزيزي القارئ حاول وأنت تبحث معي عن إجابة لتساؤلاتي أن تضع نصب عينيك الحقائق والمؤشرات المجتمعية، فالحقيقة الأولى هي أن المرأة السعودية أثبتت نفسها في مجالات عديدة مثل الطب والتعليم، وها هي تعمل نائبة لوزير التربية والتعليم، ومديرة لجامعة يبلغ عدد طالباتها الآلاف، والحقيقة الثانية، أن الإعلاميات المواطنات الرائدات بدأن مسيرة العمل الشاق في خدمة المجتمع منذ ما يقارب 50 عاماً، وهناك كفاءات إعلامية شابة طموحة تتشرف بقراءة تعليمات الأمن والسلامة على طائرات الناقل الوطني الذي يحتل مكانة عزيزة في نفوسنا. والحقيقة الثالثة الأشد إيلاماً هي أن الإحصائيات تشير إلى أن المرأة السعودية تعاني قلة الفرص الوظيفية ومحدوديتها وأن نسبة البطالة بين النساء السعوديات مرتفعة. أما الحقيقة الرابعة هي أن ملك الإنسانية الملك عبد الله بن عبد العزيز لم يأل جهداً في حفز القطاعات الحكومية والخاصة لتوسيع مشاركة المرأة المواطنة وإتاحة الفرص لها بالعمل في جميع القطاعات التي تتفق وطبيعتها البشرية وضوابط الشريعة الغراء، من منطلق إيمانه بدورها في تحقيق التنمية المجتمعية المستدامة.
وفي ختام هذا العتب، أقترح على الخطوط الجوية العربية السعودية أن تصطاد في البحر الأزرق وتحقق لذاتها ميزة تنافسية في مجال النقل الجوي الداخلي، بجعل رفع نسبة الكوادر النسوية الوطنية العاملة بها أحد أهدافها الاستراتيجية، ولتكن البداية بتفويض أحد المراكز البحثية التخصصية للقيام بدراسة مسحية للتعرف على توجهات المواطنات ورغباتهن حول نوع الوظائف التي يرغبن فيها في الخطوط الجوية العربية السعودية والتي تتفق وطبيعتهن وعقيدة وخصائص المجتمع وعاداته وتقاليده، فهل مطالبنا مستحيلة؟