الروح والجسد

خلق الله الإنسان في أحسن تقويم، خلقه من بعدين هما الجسد والروح وجعل لكل واحد من هذين البعدين خصائصه ومميزاته ووظائفه. البعد الأول هو الجسد الذي يجب على الإنسان أن يحافظ عليه، فهو مؤتمن عليه ويجب أن يعطيه حقه من الاهتمام وحسن الرعاية.
البعد الثاني هو الروح وهي الأخرى يجب ألا يغفل عنها الإنسان، بل يلزمه المحافظة عليها وإمدادها بالغذاء المناسب لها! الملاحظ الآن وبشكل لا تخطئه العين أن العالم كله تقريبا يرسخ ثقافة الجسد ويركز عليها سواء من ناحية الاهتمام بالناحية الصحية أو بتأمين الغذاء الجيد المتوازن، أو من حيث الحرص على الأنشطة الرياضية أو الناحية التجميلية، وهذا في حد ذاته لا غبار عليه لو لم يكن على حساب إهمال البعد الآخر وهو الروح. والناظر إلى الطرح الإعلامي المرئي والمسموع والمقروء يتضح له جليا أن ثقافة الجسد هي الثقافة الشائعة والمسيطرة بشكل كبير.
من هنا برزت أهمية وجود منهج متوازن لا إفراط فيه ولا تفريط ولا ترجيح فيه لجانب على آخر. ونجد هذا المنهج في تعاليم الإسلام جليا فقد أنكر الرسول صلى الله عليه وسلم على أولئك النفر الذين حاولوا تغليب الجانب الروحي على الجسدي حين قال أحدهم، أما أنا فأصلي الليل أبدا، وقال الثاني، وأنا أصوم الدهر أبدا ولا أفطر، وقال الثالث، وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال، "أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني". إن خللا كبيرا سيطرأ على حياة الإنسان إذا لم يوازن بين حاجة الجسد وحاجة الروح، فكما أن الجسد بحاجة إلى غذاء فكذا الروح، وغذاؤها يكون بالإيمان بالله واتباع المنهج القويم في كل شؤون الحياة.
سئل الإمام الشافعي هل الروح هي التي تحمل الجسد أم الجسد هو الذي يحمل الروح؟ فقال، بل الروح هي التي تحمل الجسد بدليل أن الروح إذا فارقت الجسد وقع الجسد جثة هامدة لا قيمة له! إنه لا يوجد انفصام نكد بين الروح والجسد على الإطلاق وكل الذي يحتاج إليه الإنسان ليحيا حياة سعيدة مطمئنة هو أن تكون له القدرة على بناء علاقة متوازنة بينهما.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي