أيضاً .. وزارة العمل غير مدركة لواقع سوق العمل!
رغم تقديري التام لما يحاول مسؤولو وزارة العمل تحقيقه من خلال التقاط صور تذكارية مع شاب يعمل في مطعم وجبات سريعة أو حرفي في منشأة فنية، إلا أنه يظهر الصعوبة التي يجدها مسؤولو وزارة العمل في فهم واستيعاب حقيقة المشكلة التي تعانيها سوق العمل في المملكة. المشكلة ليست النظرة الدونية لبعض الأعمال التي تجعل الشاب السعودي يحجم عن الالتحاق بها، بالتالي فمثل تلك الصور ستسهم في كسر هذا الحاجز النفسي والمجتمعي، وإنما يعود إلى سبب مختلف تماماً، يبدو أن مسؤولي وزارة العمل غير مدركين له، يفسر هذا الإحجام التام من قبل العمالة السعودية عن الالتحاق بالأعمال المهنية رغم ما يبدو من جاذبيتها ماليا في أحيان كثيرة.
لإيضاح ذلك، لنفرض أن شاباً سعودياً تخرج في مركز التدريب المهني بمهنة حلاق، وأن هذا الشاب مجيد لهذه المهنة بشكل كبير، وحصل على قرض من أحد الصناديق التي تقرض المشاريع الصغيرة ففتح صالون حلاقة، وحقق نجاحاً متميزاً في عمله، بحيث إن دخله الشهري يتجاوز عشرة آلاف ريال. والسؤال الأول: هل المتوقع والمفترض في هذا الشاب أن يستمر في هذا العمل المجدي مالياً؟ والسؤال الثاني: إن هو لم يستمر، فهل يعني ذلك أن هناك مهنا وأعمالا لا يقبل العامل السعودي العمل فيها ومن ثم لا بد أن تقوم بها عمالة أجنبية؟
ولعلي أفاجئ القارئ الكريم بأن الإجابة الصحيحة لكلا السؤالين هي لا, فهذا الشاب يكون مخطئا تماماً لو استمر في عمله كحلاق، إن كان لديه أي مستوى مقبول من القدرة الذهنية، أو أدنى استيعاب لمادة الحساب التي درسها في السنة الأولى الابتدائية, فهذا الشاب يستطيع أن يوظف حلاقاً أجنبياً بتكلفة قد تقل عن ألف ريال ليقوم بعمله بدلاً عنه، بالتالي يصبح صافي دخله من صالون الحلاقة بعد حسم تكلفة الحلاق الأجنبي الذي قام بتوظيفه تسعة آلاف ريال شهرياً، ما يعني أن عائده الفعلي من علمه كحلاق هو ألف ريال وليس عشرة آلاف ريال كما يبدو للوهلة الأولى. ومهما كانت نظرة هذا الشاب متدنية لقيمة وقته، فسيجد دوماً أن مصلحته تقتضي عدم عمله في صالون حلاقة، وتوظيف عامل أجنبي ليقوم بعمله بدلاً عنه، طالما بقيت تكلفة هذا العامل الأجنبي بهذا التدني، ومن السذاجة بل حتى قد يكون من الحمق توقع أي تصرف مختلف من شاب سعودي يكون في مثل هذا الوضع.
أيضاً فإن الإجابة عن السؤال الثاني هي لا, فهذا لا يعني مطلقاً أن هناك أعمالاً لا يقبل المواطن العمل فيها ولا مناص من الاعتماد على العمالة الأجنبية لتأديتها، ففي ظل التفاوت الكبير بين قيمة وقت المواطن وبين تكلفة العامل الأجنبي الذي يمكن أن يقوم بعمله بدلاً عنه، بسبب التدني الشديد في تكلفة العمالة الأجنبية، فسيكون دوماً من مصلحة المواطن عدم أداء أي عمل يمكن أن يكلف به عامل أجنبي بأجر متدن، رغم كونه في معظم الأحيان على استعداد تام للقيام بهذا العمل بنفسه إن ارتفعت تكلفة العامل الأجنبي بصورة تُضيق هذه الفجوة الشاسعة بين قيمة وقته وتكلفة العامل الأجنبي عليه. لو فرضنا مثلا أن هذا المواطن لا يستطيع أن يجد حلاقاً أجنبياً يقوم بعمله بدلاً عنه إلا بتكلفة خمسة آلاف ريال شهرياً، فإنه في مثل هذه الحالة سيصل إلى قناعة مفادها أن قيمة وقته أقل بكثير من هذا المبلغ الكبير الذي سيدفعه لهذا العامل للقيام بعمله بدلاً عنه، بالتالي فإن الأجدى له أن يقوم بأداء عمله بنفسه بدلاً من توظيف عامل أجنبي، فهو دون شك أولى بهذا المبلغ المرتفع.
وعدم إدراك وزارة العمل هذه المعادلة البسيطة، يجعلها تدور في حلقة مفرغة، تبحث عن الحل دوما في المكان غير المناسب، وتخشى بصورة مبالغ فيها تبعات قرارات السعودة على سوق العمل في المملكة، ومترددة في اتخاذ القرارات أو حتى تطبيقها بحزم بعد اتخاذها، تفضل اللجوء إلى أمن التراجع عن قراراتها على أن تتهم باتخاذ قرارات سعودة لا مجال لنجاحها، أو أن تلام من القطاع الخاص بأنها تعوق نشاطه وتقف عثرة في وجه قيامه بدور أكبر في اقتصادنا الوطني. رغم أن كل الإشكالات التي يمكن أن تظهر هي إشكالات مؤقتة متوقعة ستعمل قوى السوق، إن أعطيت الفرصة الكافية، على إصلاحها من خلال ارتفاع تكلفة العمالة الأجنبية وتحسن أجور العمالة السعودية ما يجعلها أكثر جاذبية للتوظيف، وكل ما هو مطلوب ليتحقق كل ذلك جلد وصبر لا يبدو أن وزارة العمل تملكه أو مستعدة لبذله.