أموال الأجانب خارج النظام المصرفي .. هل يلتفت إليها؟

أود في البداية أن أوضح للقارئ الكريم أنني أكن كل الاحترام والتقدير لكافة العاملين في بلدي على اختلاف جنسياتهم ودياناتهم، فهم قدموا للمملكة كي يساعدوا أنفسهم أولا لكنهم ساهموا في بناء بنية اقتصادية قوية بسواعدهم وخبراتهم وكثير ممن أعرفهم يكن لهذه البلد وقيادتها وشعبها كل الاحترام والتقدير، ومعظم السعوديين يبادلونهم المشاعر نفسها.
وإذا ما علمنا أن كل عامل أجنبي يأتي للعمل في المملكة يتطلب منه النظام أن يلتزم بعقد العمل الذي يوضح مهنته وراتبه وكافة حقوقه فإن مخالفة ذلك تعتبر إخلالا بالنظام الذي ينظم أحوال العاملين الأجانب وحقوقهم والالتزامات التي عليهم، ومن ضمن المخالفات المتكررة التي باتت تمثل ظاهرة خفية ممارسة بعضهم العمل التجاري بطريقة غير نظامية مثل تملك المحال والبيع والشراء لحسابهم الشخصي حتى وإن كان ذلك مغطى نظاما من قبل الكفلاء الذين يشتركون معهم في مخالفة النظام والإخلال به.
في حراجات ثمار النخيل في القصيم وغيرها يفاجأ الحضور بأجانب من جنسيات معروفة بدخول المزاد والمزايدة بمبالغ كبيرة تتعدى المليون ويفاجئون أكثر بإحضار القيمة نقدا في كراتين وخيش إذا رسا المزاد عليهم، كما يلاحظ آخرون دخول بعض الأجانب في مزاد المعدات الثقيلة بمبالغ تتجاوز نصف مليون ريال وهم لا يحملون صفة نظامية أي لا يمثلون مؤسسات أو شركات بعينها وإنما يمثلون أنفسهم ويستثمرون لحسابهم الخاص دون أن تكون لديهم تصاريح نظامية من قبل الهيئة العامة للاستثمار، كما أن قصة أحد الوافدين في مدينة جدة معروفة عندما سيطر على أحد الأسواق المعروفة لحسابه الخاص وحاول رشوة المسؤولين بمبالغ ضخمة، وكذلك قصص بعض العاملين في مكابس الحديد والكرتون والنحاس وغيرها.
أصبح بعض الأجانب يملك أساطيل نقل مدرسي وبعضهم يمتلك سلسلة محال تجارية وبعضهم سيطر على تجارة بعض الأصناف وكل ذلك دون غطاء نظامي وبعبارة أخرى بمخالفة صريحة لنظام العمل والإقامة الذي يتطلب أن يعمل كل وافد في المهنة التي استقدم من أجلها وبالمزايا التي يحددها العقد المبرم مع الكفيل.
إن ممارسة بعض الأجانب الأعمال التجارية دون تصاريح نظامية ودون علم الكفيل تعتبر مخالفة للنظام لكن الأخطر من العمل ذاته هو طريقة تدوير هذه الأموال داخل المملكة وطريقة خروجها منها، فهي مبالغ كبيرة لا تستطيع معها العمالة أن تسلك الطرق النظامية المتمثلة في إيداعها في حسابات جارية وتحويلها عبر النظام المصرفي النظامي، لكنها تلتف على ذلك باستخدام طرق وحيل كثيرة قد تكون خطيرة بتبعاتها الأمنية والاقتصادية والاجتماعية.
لست هنا في وارد الحسد من عمل بعض الوافدين والمكاسب التي يحققونها لكنني في وارد سلوك الأنظمة ومراعاتها لضمان عدم مس المقومات الاقتصادية والأمنية التي تعمل الدولة منذ عقود على تقويتها وتضييق الفجوات التي ربما تسهم في إضعافها.
لا يمكن قبول أو تفسير وجود اقتصاد خفي داخل المملكة يدار عن طريق قلة قليلة من العمالة الوافدة، كما لا يمكن قبول استمرار تجار التأشيرات والإقامات في مساعدة هذه الفئة على تحقيق أهدافها مقابل مبالغ بسيطة تدفعها تلك العمالة لهم عند تجديد الإقامة.
إن حل هذه القضية المقلقة يحتاج إلى تضافر الجهود من قبل الأجهزة الحكومية ذات العلاقة مثل وزارة العمل وإدارة الجوازات وغيرها من الجهات، كما يتطلب عقوبات رادعة على المخالفين وكفلائهم، لكن هذا لا يعفي من معالجة الأمر من جذوره.
كنت قد دعوت في مقالة سابقة إلى فتح المجال للأجانب للعمل الحر داخل المملكة بآلية محددة وبرسوم ضريبية تودع في حسابات الحكومة بدلا من عملهم بطريقة غير نظامية كما هو حادث اليوم، فمعظم محال الشوارع هي ملك لهم وما الكفيل إلا غطاء نظامي فقط، لكن بعضهم توسع وأصبح يدير استثمارات بملايين الريالات لحسابه الخاص دون أن يدفع ريالا واحدا للحكومة، في حين أن المواطن يدفع فريضة الزكاة سنويا والأجنبي المرخص يدفع ضريبة على أرباحه.
إن كبر حجم المبالغ التي تديرها بعض العمالة خطير على الأمن الاقتصادي لأن تلك الأموال تساعدهم على دفع الرشوات لبعض ضعاف النفوس لخدمة مصالحهم ومخالفة الأنظمة كما أنها تشعرهم بالقوة التي قد تدفعهم لمخالفات أمنية وهذا هو ما ينبغي التنبه إليه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي