تأثير الفساد وقوة الحوكمة «1 من 3»

تحسنت الحوكمة في بضع دول أمريكا اللاتينية، لكن الفساد لا يزال يعيق التنمية في المنطقة، حيث تابع مئات الملايين من مشجعي كرة القدم حول العالم، فضيحة الفساد التي يشهدها الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا"، الجهاز الذي يدير هذه اللعبة على مستوى العالم خلال الأعوم ا الماضية. وتدخلت حكومات الولايات المتحدة وسويسرا والبرازيل وكولومبيا وكوستاريكا وغيرها في هذه التحقيقات في هذا الصدد، وتم بالفعل توجيه اتهامات لتنفيذيين ومسؤولين من منظمات وشركات إقليمية ووطنية في الأمريكتين ودول أخرى. وتتضمن التهم دعاوى رشا وتواطؤ في منح عقود عالية القيمة واختيار الدول المضيفة لكأس العالم.
وعادة ما تختلف كل فضيحة ومنظمة عن غيرها. لكن لهذه الحالة مواصفات نجدها في جميع أنحاء العالم، كالفساد بين شبكات مستترة من المسؤولين والتنفيذيين المتواطئين في منظمات دولية ووطنية. وتشير فضيحة "الفيفا" إلى أن المساءلة تحدث في نهاية المطاف، وإن تأخرت، كما يتضح من بعض الإجراءات القضائية المتخذة، وصلت إلى أن وقف رؤساء سابقون أمام المحاكم السويسرية.
ومن قبيل ذلك أيضا القضية الجارية بشأن غسل الأموال المعروفة باسم car wash المتورطة فيها شركة النفط الوطنية البرازيلية بتروبراس، حيث أدان القضاء البرازيلي عديدا من الشخصيات وأصدر أحكاما ضدهم على خلفية عقود مبالغ في قيمتها منحت للشركات مقابل رشا لمسؤولين تنفيذيين سابقين ومساهمات حزبية غير مشروعة من شركات بناء نافذة. وظهرت أيضا دعاوی رشا للحصول على عقود من شركات في إيطاليا وكوريا والسويد. وهناك دول أخرى في المنطقة تشهد بدورها فضائح عالية المستوى، بما في ذلك الأرجنتين وشيلي وغواتيمالا والمكسيك، وبعضها يتخذ إجراءات لمواجهتها.
وبخلاف أي فضيحة معينة، وردود الأفعال المتفاوتة، فإن تحدي الفساد جسيم. وتشير التقديرات إلى أن الرشوة في أنحاء العالم تراوح في حدود تريليون دولار، وإلى بلوغ التدفقات المالية التراكمية غير المشروعة من دول أمريكا اللاتينية على مدار العقد الماضي، المستوى نفسه تقريبا.
في إطار مشروع بحثي بدأته في أواخر التسعينيات مع آرت كراي من البنك الدولي، عرفنا الحوكمة بأنها التقاليد والمؤسسات التي تحدد كيفية ممارسة السلطة، حيث صدر مقال "تأثير الحوكمة، من القياس إلى"، وهو يشمل، أولا: كيفية اختيار الحكومات ومساءلتها ومراقبتها وتغييرها، ثانيا: قدرة الحكومات على إدارة الموارد بكفاءة وصياغة السياسات واللوائح السليمة وتنفيذها وفرض تطبيقها، ثالثا: احترام المؤسسات التي تحكم التفاعلات الاقتصادية والاجتماعية.
ولكل من هذه المجالات الثلاثة أنشأنا مقياسين تجريبيين، ليكون المجموع ستة مؤشرات عالمية للحوكمة، باستخدام بيانات من 12 منظمة. ونقوم سنويا بتقييم أكثر من 200 بلد فيما يتعلق بالصوت والمساءلة، والاستقرار السياسي وغياب العنف، وفاعلية الحكومة، والجودة التنظيمية، وسيادة القانون، والسيطرة على الفساد. والفساد واحد من مقاييس عدة للحوكمة الأوسع نطاقا، لأنه ينبع من أوجه الضعف في أبعاد أخرى للحوكمة.
عادة ما يعرف الفساد من حيث استغلال المسؤولين الحكوميين لمناصبهم العامة لتحقيق كسب خاص. لكن نطاق الفساد أوسع من ذلك. فهو أحد الأعراض المكلفة لفشل المؤسسات، وفي الأغلب ما تتورط فيه شبكة من الساسة والمنظمات والشركات وأفراد من القطاع الخاص، تتواطأ جميعا لجني منفعة تتحقق من استخدام السلطة والوصول إلى الموارد العامة والتحكم في صنع السياسات على حساب الصالح العام...يتبع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي