مؤشرات النضج

مؤشر النضج الروحي هو تقبل النقد وسماعه بكل حيادية والاستفادة منه بكل موضوعية، فليس مثل النقد علقما، كما أنه ليس مثل النقد دواء.
وإذا كان الدواء مرا؛ فالنقد أشد مرارة ووقعا، ولكنه يأتي من المحبين والناصحين.
فهذه واحدة ...
وأما الثانية فهي طريقة عرض النقد، لأن كل واحد منا يصعب عليه سماع النقد ويشم منه رائحة الخطر والتدمير.
وفي كتاب القوة لروبرت غرين تحت القانون أن السمعة تسبق صاحبها، وهي كنز يتم تجميعه بحرص وعناية، وأن مصير أحدنا ورزقه متوقف على سمعته فوجب تلميعها كل حين.
ولذا فحين يستغل أحدهم ثغرة في سمعة الآخر، فقد يصل الأمر في النهاية إلى التدمير، ومنه الحرص على السمعة دوما، فهي رأسمال صاحبها.
لذا فقد أرشد أحد الصالحين في كيفية سوق النصيحة فقال: إن لم تقلها له فقد خنته، وإن قلتها في وجهه فربما لم يتحملها فاستوحش، وإن تحدثت بها في ظهره فقد اغتبته وطعنت فيه!!
فماذا يفعل إذا أحدنا هكذا سأل التلميذ أستاذه فقال الرجل الصالح: تذكره في معرض الكلام وتعرض بها تعريضا..
وهكذا فحين نقرأ هجوما صاعقا ضدنا، علينا أن نستوعبهم ونتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيآتهم
فليس مثل الرحمة دواء، ولا مثل التسامح مرهما وعلاجا، ولكن من يفعله؟
ويذكرني هذا بقصة الشيخ المغربي الذي أمسك خصما له في النقاش، انزلق لسانه بكلمة عن سورة الرمز، وهو يعني سورة الزمر، وهي لا تزيد على تغيير حرف مكان حرف! فأمسك به وقال قرآني غير قرآنك،  بدل أن يقول له بكل احترام عفوا لقد أخطأت في حرف!
ونحن تجاه من يناصبنا العداء علينا أن نرحمهم ، ونأخذ بيدهم بروح سلامية، والله يقول: «كذلك كنتم من قبل فمنّ الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيرا».
وأنا أعرف هذه الطرق التي يسيرون فيها تماما، كما أعرف المخارج منها، ولكنها تحتاج إلى ساعات عمل طويلة، وجهد لا أجهل مقداره، وأعرف طبيعته تماما، وأهم ما فيه هو الحرص عليهم، وعدم السخرية منهم، أو التكبر عليهم أو انتقاص آرائهم!!
سأريكم دار الفاسقين، والأنبياء رضوان الله عليهم كانوا يكررون بلفظ واحد، وبدون ملل يا قوم إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم ومهين وكبير وعظيم.
فيجب أن تتوجه أرواحنا التي أضاءها بنوره ــ أو هكذا نزعم ــ وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن نحرص عليهم في أن يرتفعوا بمستواهم الإنساني، فيحبون الله ويحبون عباده، ويحرصون على الحقيقة في اكتشافها، مع العلم دوما أنهم قد يكونون بعيدين عنها مسافة سنة ضوئية، أو سبعين خريفا وهم لا يعلمون، ونحن من يكتب ننمو بعين النقد، كما أشير دوما إلى آليات النقد؛ فهي النقد، ونقد النقد من جديد، في دورة لا تفتر ولا تمل ولا تقف ولا تكلّ.
وهو مؤشر النضج ورحلة الوصول إلى النفس اللوامة، وهي مهمة عسيرة؛ فما أضيق الطريق الذي يقود إلى الجنة، وقليلون الذين يسلكونه، وما أرحب الطريق الذي يقود إلى الهلاك، وكثيرون الذين يلجونه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي