تخيل هذا الشعور
أغلب الناس احتياجا أكثرهم تعففا. تمنعهم كرامتهم وقيمهم ومبادئهم من السؤال. لو كانوا يجيدون إراقة ماء وجوههم لما صار هذا حالهم ومآلهم. يجاهدون لإخفاء ظروفهم ومصاعبهم.
يقول الشاعر بشار بن برد:
إن الكريم ليخفي عنك عسرته
حتى تراه غنيا وهو مجهود
لنلتفت حولنا، ونتفحص الوجوه المجاورة. قطعا سنعثر على آلام مدفونة، وآمال كامنة، تتعطش لمن يربت عليها. اكتشاف ضعف وعوز بعض الأشخاص في محيطنا لا يحتاج إلى حاسة جديدة. بوسع أي فرد منا التقاط المعاناة من نظرة عابرة أو موقف وجيز.
وكما قيل:
للعيون كلام إن بصرت به
أغناك والله عن كل العبارات
ومن يهبه الله القدرة على قضاء حوائج الناس دون سؤال، رفع قدره ومكانته في الدنيا والآخرة. وبسط في صدره راحة البال، وفي قلبه سكنت الطمأنينة.
فقد نشأنا صغارا ونحن نردد: "من سار بين الناس جابرا للخواطر، أدركه الله في جوف المخاطر". لقد حان الوقت لأن نستعيد ذاكرتنا، ونقف مع أحبتنا دون أن نحرجهم أو نجرحهم.
فكم تسعد قلبا عندما تدعمه وتهتم به دون سؤال. ما ستودعه من سعادة في أعماقه لا يقدر بثمن. ستغشاه سكينه، ويسكنه تفاؤل.
سترتب معنوياته وتؤثث مزاجه. سيلمع ويسطع ويتألق. تخيل شعوره جيدا..؟ سيعتريك شعور أجمل وأكبر وأضخم.
والداك، وإخوتك، وأقاربك، وزملاؤك، وأصدقاؤك، قد لا ترى الركام الذي يقض مضاجعهم. ربما لم تتصفح الضيق الذي يتكدس حطاما في أحشائهم. بادر بإعانتهم وعونهم. ستفاجئهم وتبهجهم. فما أجمل العطاء بلا سؤال.
ننزح للأسهل، ونتبرع للغريب، وننسى القريب. هم بأمس الحاجة إلى عنايتنا واعتنائنا. احذر أن يخدعك كبرياؤهم.
ليس شرطا أن تنفق من فائض ووفرة، ففضل المعطي كبير، مهما كان دخله، وبغض النظر عما جاد به.
إذ يقال:
"ليس جود الفتيان من فضل مال
إنما الجود للمقل المواسي"
لا تبخل على محيطك.
كلما كان هانئا سعيدا، كنت أسعد وأبهى وأزهى.