كيف تم خفض البطالة لأدنى مستوى تاريخي؟
سجل معدل البطالة بين المواطنين أدنى مستوى له منذ أول نشر لبياناته الرسمية عند 7.7 % بنهاية 2023، واقترب كثيرا من معدله المستهدف 7 % بنهاية الفترة الزمنية لرؤية المملكة 2030، مدفوعا بعديد من العوامل الأساسية، في مقدمتها التحولات الجوهرية التي طرأت على برامج التوطين قبل نحو أكثر من عامين من تاريخه، التي اتسمت بمزيد من المرونة والتركيز بدرجة أكبر على الخصائص المختلفة للوظائف في سوق العمل، التي مررتها وزارة الموارد البشرية بصورة متدرجة طوال العامين الماضيين إلى مختلف النشاطات والمهن، ونجحت في تحقيق مستهدفاتها الفرعية، التي صبت إيجابياتها في نهاية المطاف في اتجاه مزيد من تمكين الموارد البشرية المواطنة من فرص العمل، وفي زيادة تمكين المرأة السعودية خصوصا من تلك الفرص، وهو ما لوحظ فعليا من خلال النمو السنوي لهن بمعدل نمو سنوي في القطاع الخاص بلغ 9.5 %، وعلى المستوى الإجمالي للقطاعين العام والخاص بمعدل سنوي بلغ 7.6 %، لتصل مساهمة المرأة العاملة في سوق العمل المحلية إلى 40.4 % من إجمالي العمالة المواطنة المدنية، وليدفع معدل البطالة لدى الإناث من المواطنات إلى مزيد من الانخفاض وصل إلى 13.7 % بنهاية 2023، مقارنةً بما كان عليه عند 34.5 % بنهاية 2016.
العامل الآخر، القدرة العالية التي أظهرها الاقتصاد الوطني خلال الفترة الماضية، ومحافظة القطاع الخاص على وتيرة النمو المطرد رغم التقلبات التي شهدتها سوق النفط العالمية، حيث تمكن من النمو بمعدلٍ حقيقي بلغ 4.3 % بنهاية 2023، رغم تراجع القطاع النفطي بمعدل حقيقي بلغ 9.0 % لنفس العام، وهذا ما دفع بوصول نمو وظائف المواطنين العاملين فيه إلى 4.8 %، الذي جاء أعلى من مثيله لدى القطاع العام البالغ نمو الوظائف لديه 2.4 % خلال نفس العام.
ويؤمل أن تتضافر خلال العام الجاري تلك العوامل والمبادرات في الدفع بمزيد من نمو وظائف الموارد البشرية المواطنة، وأن تذهب النتائج الإيجابية إلى أبعد مما وصلت إليه بنهاية العام الماضي.
كل ما تقدم من منجزات ملموسة على أرض الواقع، تدفع بمزيد من أهمية تعزيز برامج ومبادرات التوطين المحلية، خاصة مع الأوضاع غير المواتية التي ما زال الاقتصاد العالمي يخضع تحت ضغوطها، ويتوقع أن تزداد خلال العامين الجاري والقادم على أقل تقدير، ما قد تأتي نتائجه العكسية بالتأكيد على الاقتصاد الوطني كونه جزءا لا يتجزأ من الاقتصاد العالمي، ووفقا لترابطه المرتفع مع الاقتصادات الكبرى حول العالم.
وتأتي أهمية هذا الحديث قياسا على عديد من الاعتبارات، في مقدمتها النمو المتصاعد لمخرجات التعليم العالي والفني والعام من الموارد البشرية المواطنة، الذي يتطلب توفير مزيد من الوظائف أمامها جهودا أكبر من كل ما سبق بذله وتسخيره، إضافة إلى أن القطاع الخاص ما زال يعتمد بدرجة أكبر على العمالة الوافدة أكثر منه على العمالة المواطنة، وشاهد ذلك نمو العمالة الوافدة خلال العام الماضي بمعدل سنوي بلغ 10.6 % الذي يتجاوز ضعف نمو العمالة المواطنة، وهو ما أدى إلى تباطؤ نسبة التوطين في القطاع الخاص إلى 22.4 % مقارنة بمستواه خلال العام الأسبق البالغ 23.3 %، وكل هذا بالتأكيد في الإمكان بدرجة كبيرة تجاوزه إلى مستويات أفضل بمشيئة الله تعالى خلال الفترة الراهنة، والاعتماد بدرجة أكبر على الموارد البشرية المواطنة، التي أثبتت كفاءتها ومهاراتها العالية في أهم نشاطات الاقتصاد الوطني، المندفع نحو مزيد من تنويع قاعدته الإنتاجية تحت مظلة رؤية المملكة 2030.