"أوبك" في عيد ميلادها الـ 64 .. ما الذي تغير؟

في نهاية فترة الخمسينيات من القرن الماضي بينما كان العالم يتعافى من أتون الحرب العالمية الثانية كانت حقول النفط في الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية تدفع بكميات النفط المتدفق من باطن أراضيها إلى موانئ العالم المتعطش للنفط ليروي عطش العالم الصناعي من النفط كما يروي عطش المنتجين لعوائده التي ستسهم في تطوير اقتصاداتها ودفع عجلة نموها وخططها المستقبلية.
كانت الشركات متعددة الجنسيات تسيطر على هذه الحقول وهي من يحدد إنتاجها وأسعارها، حيث تتقاسم مع الحكومات المنتجة العوائد حسب بنود الاتفاقيات المبرمة معها.
ومع وصول الحقول الأمريكية التي كانت تسابق الزمن في عمليات الإنتاج والتوسع والنمو الى معدلات عالية من الإنتاج قامت الشركات متعددة الجنسيات في السعودية وفنزويلا وغيرها من دول الشرق الأوسط بتخفيض مجحف لأسعار النفط بنسب عالية، ما أثار غضب الدولتين اللتين التقى وزيرا النفط فيهما آنذاك عبدالله الطريقي وخوان بابلو الفونزو وتعهدا بالعمل على تشكيل منظومة عمل مشتركة، حيث طالبا الشركات الكبرى متعددة الجنسيات أن تقدم لها خطط تغيير الأسعار قبل اعتمادها، بيد أن ذلك لم يحدث، حيث استمرت الشركات بالتصرف منفردة دون الرجوع لحكومات الدول المنتجة، ما زاد إصرار الوزيرين مع وزراء آخرين على إيجاد آلية لتوحيد الجهود وتنسيقها للحد من أحادية القرار الذي انتهجته الشركات، ما دفع إلى تشكيل أول لبنات المنظمة "منظمة أوبك" التي ولدت في بغداد في سبتمبر من 1960، حيث اجتمع الفونزو والطريقي وممثلو العراق والكويت وإيران لتأسيسها رغم معارضة الشركات متعددة الجنسيات والولايات المتحدة الأمريكية.
انضمت دول أخرى إلى المنظمة وازداد عدد أعضائها حتى بلغ مجموع إنتاج دولها نصف إنتاج النفط في العالم. خاضت المنظمة الوليدة التي اتخذت من جنيف مقراً لها ولاحقاً فيينا حرباً شرسة مع شركات النفط المهيمنة على إنتاج بلادها، وتعديل بنود الاتفاقيات ونسب العوائد والحصص، وواجهت في سبيل ذلك تحديات جمة ليس أقلها انخفاض مستويات التنسيق بين أعضائها، وراوحت بين النجاح تارة والفشل تارة أخرى.
في أعقاب تأسيسها مرت المنظمة بكثير من الأحداث الكبرى التي غيرت مجرى التاريخ في المنطقة والعالم، ففي أكتوبر 1973 أقرت الدول العربية المصدرة للنفط حظراً على النفط المتجه إلى الولايات المتحدة والدول الداعمة لإسرائيل في حرب 7 أكتوبر. قفز معه سعر البرميل من دولارين إلى 12 دولاراً للبرميل، بينما قررت الدول الصناعية تقليل اعتمادها على النفط، وقررت إنشاء وكالة الطاقة الدولية لبحث إيجاد بدائل للنفط واكتشاف مصادر أخرى للتخلص منه، ما وضعها في مواجهة مباشرة مع منظمة أوبك التي ترعى مصالح السوق النفطية والدول الأعضاء.
كما وجدت المنظمة نفسها وسط ظروف سياسية واقتصادية صعبة وضعتها في قلب الأحداث، ففي ديسمبر من 1975 خطط كارلوس الفنزويلي الملقب بالثعلب للهجوم على مقر المنظمة خلال الاجتماع النصف سنوي الذي عقد في مقر المنظمة في فيينا آنذاك واحتجز الوزراء المجتمعين وغادر بهم إلى الجزائر مهدداً بقتل عدد منهم قبل أن تتم صفقة يطلق فيها الرهائن مقابل فدية.
ثم أتت الثورة الإيرانية التي قلصت الإنتاج الإيراني وأدت إلى عدم الاستقرار في الأسواق لتصل الأسعار إلى مستويات 41 دولارا، تبع ذلك حرب الخليج الأولى التي اندلعت بين العراق وإيران 1980 وانتهت 1988، كانت المنظمة بين تلك السنوات تتأرجح بين منظمة تستهدف نطاقا سعرياً محدداً وتحديد كميات إنتاج معينة نظراً لطبيعة التحديات في الأسواق، تحديات كانت كفيلة بتغيير بوصلة الاقتصاد على غرار أزمة النمور الآسيوية أواخر التسعينات وأزمة ليمان براذرز 2008 وانخفاض النفط الحاد في 2014، لكن التغيير الأهم الذي طرأ على عمل المنظمة وشكل مفترق طرق حاسما وجوهريا هو تشكيلها لمجموعة تحالف أوبك+ في 2016، حيث تم تشكيل هذا التحالف ليضم منتجين رئيسين خارج المنظمة، وعلى رأسهم روسيا مع دول منتجة أخرى ليتم الاتفاق على تنسيق الجهود وتوحيدها لتحقيق توازن الأسواق واستقرارها ورعاية مصالح دول المجموعة ليستمر هذا التحالف حتى وقتنا الراهن رغم التحديات الكبيرة التي واجهها في 2020 عندما انفرط عقد الاتفاق، ولم يتم تجديده وأدى لانهيار حاد في أسواق النفط هبطت معه أسعار خام غرب تكساس إلى تحت الصفر بـ39 دولاراً.
كان ذلك الشرخ منعطفاً تاريخياً نتج عنه تماسكاً كبيراً استمد منه التحالف قوة أكبر، واستمر إلى هذا اليوم من توحيد الجهود ورسم السياسات وإدارة دفة الأسواق النفطية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي