هل للمسلم الخيرة من أمره بعد أمر الخالق؟!

كما يقال كشفت قضية الحجاب في فرنسا التي بدأت منذ سنوات أن العلمانية لم تعد تمارس حضورها كوعاء حاضن للاختلاف والتعدد -أي لا تمارس علمانيتها- التي يقال إنهم حاربوا الأباطرة كي تتحقق هذه العلمانية إلا من خلال الأطر الثقافية والاجتماعية المهشمة، أو تلك المفرغة من أية مضمون أو بنية «عقائدية - نضالية»، والتي لا تمثل تهديداً لـ «هويتها الثقافية» وليس لـ «علمانيتها السياسية»، مثل الجماعات الداعية إلى «عبادة الشيطان» أو «البوذية» أو «الزواج المثلي» أو الحرية الجنسية، وذلك على سبيل المثال لا الحصر، ولكن عندما يستسلم المسلمون لثقافة فرنسا وهويتها المسيحية، وليس الانصياع كما يُدعَى لمبادئ العلمانية، فليس ثمة مشكلة في الأخيرة؛ فهي في روحها وقوانينها تقبل هذا الاندماج، متى تحررت من القيود الحضارية (أو الثقافية)، وكذلك من أعباء الحفاظ على الجذور المسيحية للهوية الفرنسية. هذا التناقض ستجده واضحا في معظم التصرفات بل السياسات العالمية للتعامل مع قضايا الإنسان إذا كان أحد الطرفين (مسلما)!!
ومن مقالة قيمة للأستاذ شريف عبد العزيز بعنوان (كم أنت منافق أيها الغرب!) وضح فيها التناقضات السياسية والاقتصادية والثقافية التي يمارسها الغرب في مجمله فكما يقول: في (الذكرى الـ 50 لتأسيس الاتحاد الأوروبي قام العشرات من المثقفين والفنانين والناشطين في مجال حقوق الإنسان بتوجيه خطاب تنديد شديد اللهجة للقادة الأوروبيين نتيجة تكاسلهم عن نجدة أهل دارفور من العدوان الإسلامي لحكومة الخرطوم عليهم، ويومها بكت إحدى الناشطات واسمها فانكي ريمي أمام كاميرات التلفاز على ما وصفته بمعاناة عشرات الآلاف من الأطفال الذين يتضورون جوعاً في معسكرات اللاجئين في تشاد وغرب السودان، والذين لا يجدون ما يسد رمقهم، وكان لمشهد بكاء فانكي ريمي، وغيرها من المشاهد المأساوية التي حملتها وسائل الإعلام دور كبير في تسريع وتيرة الضغط على السودان واستلال المزيد من التنازلات منه.
هذا المشهد مع غيره من المشاهد الدعائية الاستعراضية التي يحرص عليها الغرب في كل مناسبة بوصفه حامي حمى الحريات، صاحب الفضائل والمثل والأخلاق السامية، المدافع عن حقوق الإنسان في كل مكان، يقفز إلى المخيلة عند مشاهدة المزارعين الأوروبيين وهم يسكبون على الأرض مئات الملايين من لترات اللبن الحليب الطازج من أجل إبقاء سعره مرتفعاً في الأسواق العالمية، كميات ضخمة من اللبن، هذا الغذاء الرباني المتكامل، كان يكفي ليس لنجدة المحاصرين في دارفور وحدها، بل يكفي لإطعام كل جائع على وجه الأرض, إلى أن يذكر أن الإحصائيات الصادرة من الأمم المتحدة، حسب ما قاله أوليفر دي شوتر الممثل الخاص بشؤون الحق في الغذاء: أن ثلث الأطفال في العالم الثالث أو النامي يعانون مشاكل في النمو بسبب سوء التغذية، كما يموت سنوياً 5.4 مليون طفل سنوياً بسبب نقص الغذاء، ويعاني 2.5 مليار نسمة من سوء التغذية، وعدد الفقراء تجاوز المليار نسمة).
ولا ننسى أيضا أن البرازيل تقذف بآلاف الأطنان من البن البرازيلي الفاخر في المحيط للحفاظ على ثمنه، وأكثر بشاعة من هذا هو ما حدث في ولاية تكساس عندما حفر الفلاحون حفرة كبيرة وجلبوا المواشي إليها ضربوها بالرصاص وللسبب نفسه، وهو الحفاظ على ثمن سعر اللحوم البقرية!!
من يربط بين هذه المواقف, يستنتج هذه التناقضات التي يعيشها الواقع الغربي من الفرق بين رأي الشعوب ورأي الساسة وأباطرة المال هناك.
وإذا انتقلنا إلى نقاط أخرى تتعلق بهذه التناقضات التي أصبحنا نقلدهم فيها سنتوقف عند محاربة أوروبا للحجاب والنقاب بكل ضراوة، في حين تبيح العري والشذوذ والدعارة بصورة رسمية، وتبيح الزواج المثلي وأندية العراة، بل الآن هناك قرار يحاولون الحصول على موافقة عليه في مكتب الأمم المتحدة لشؤون المرأة ويحاولون أن يكون ملزما لبقية الدول وحتى المسلمة أن تنصاع لمحتواه الذي يختص بحقوق الشواذ والسماح لهم بالزواج ومعاقبة من يمنعهم من هذه الحقوق!! لأنها وقعت وصادقت على (اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة) والمعروفة بـ (السيداو) وأيضا توقيعهم على (اتفاقية حقوق الإنسان) التي أصبحت هراوة يرفعونها أمام كل دولة ترفض الانصياع لأوامر الإدارة الأمريكية والتي تستخدم قرارات الأمم المتحدة وسيلة ترهيب وترغيب لتنفيذ إرادتها العرجاء ضد حقوق الشعوب.
هؤلاء الشواذ الذين تدفع بعض المنظمات لهم أموالا طائلة كي يشكلوا قوة تدافع عن حقوقها المبتذلة والذين كان عقابهم من السماء بتدمير قريتهم وحرقهم بحجارة من سجيل. ورغم هذا نجد من يدافع عنهم الآن من بعض المسلمين بالهوية، الذين يبيعون شرفهم لهذه القضايا الماركسية التي تعمل على تفتيت الأسرة كيانا ونظاما.
والحرب على العفة والحياء والحجاب أصبحت الآن (سياسة) تمارس بقوة من قبل الأنظمة الحاكمة سواء في أوروبا أو في بعض الدول المسلمة التي أخفقت في تحقيق الكرامة ولقمة الغذاء لمواطنيها ولكنها تجرأت على محاربته في حقوقه الشرعية.
وإذا كانت أمثال هذه الممارسات غير مستغربة من الغرب وأوروبا، فتاريخهم حافل بأمثال هذه الممارسات التي تتجلى فيها معاني النفاق كاملة وواضحة، - كما يذكر الأستاذ شريف عبد العزيز - ليس على صعيد الغذاء والطعام فقط ولكن على كل الأصعدة، فأوروبا الآن تحارب الحجاب والنقاب بكل ضراوة في حين تبيح العري والشذوذ والدعارة بصورة رسمية، وتبيح الزواج المثلي وأندية العراة، تضيق ذرعاً بامرأة مسلمة تغطي رأسها ولو بأقل قطعة قماش، ويرفض القضاة قبول شهاداتهم في المحاكم، وترفض المصانع وأماكن العمل إلحاقهم في الوظائف، وإدخالهم المدارس، في حين يسمحون بالعرايا والشواذ فعل ما شاءوا من باب الحرية الشخصية.!! هذا في أوروبا، ولكن ماذا نقول إذا علمنا أن بعض الدول الإسلامية منعت الحجاب تماما وأطلقت رجال الأمن في الشوارع ليس لاصطياد المجرمين والمرتشين والفسقة ومن يتاجر في طعام الفقراء وعلاجهم وسرقة أموالهم وهدم منازلهم، ولكن لنزع الحجاب من على رؤوس الحرائر من النساء ومنعهن من ارتدائه بالقوة!!
ومنذ أيام صدر قانون في دولة مسلمة أخرى بمنع دخول المنقبات إلى جامعة الأزهر!! وقيل إن السبب هو (أمني)!! ولا أعرف كيف يحدث هذا؟ وما الضرر من نقاب امرأة مسلمة تريد أن تحقق الحسنى من ارتدائها حجابها وهو أمر رباني وبين الحصول على العلم والمعرفة في مجتمع يفترض أن يكون همه الأول هو إيفاء المواطنين حقوقهم الشرعية وليس المدنية فقط؟؟
ولماذا لا يحارب العري والتحرر من الأخلاق وترويج الرذائل؟؟
لماذا لا يضرب بيد من حديد على كل مرتش وكل خائن لقضايا أمته؟؟ كما يحارب الحجاب الآن وينزع من على رؤوس المسلمات في بعض الدول الأوروبية والعربية؟؟
ومن يعيد قراءة التقرير الذي أصدرته مؤسسة راند الشهيرة بمحاربتها للمسلمين تحت شعارات كاذبة وهي محاربة (الإرهاب) الأكذوبة التي أصدرتها الإدارة الأمريكية منذ أحداث أيلول (سبتمبر) 2001 كي يتم في الواقع محاربة الهوية الإسلامية والتشريعات الإسلامية. ولأنها تملك شركات الإعلام الكبرى التي تؤثر في الذهنية العربية والإسلامية بهذا الكم من البرامج والأفلام القذرة, فإنها تقوم بتصدير وقولبة هذه الأذهان إلى رفض كل ما له علاقة بالدين الإسلامي وضوابطه وممنوعاته ومحظوراته في جميع ما يرتبط بقضايا النساء والرجال والأطفال بل وقضايا الحيوان.
ولكن تحت شعارات أخرى تهوينا لردود الأفعال الرافضة لهذه التدخلات في التشريع ومكافأة من يسعى للتغريب ومحاربة الأديان وتمرير رذائل السلوك وبهيميته!!
** جميعنا يرفض التدمير وقتل الأبرياء، ولكن في الوقت نفسه نرفض أن يتم تجريف عقيدتنا وتشريعاتنا لمجرد أن هناك من يريد أن يكون العالم الإسلامي كله نسخة من أوروبا أو أمريكا ليس في جميع الجوانب التي تتحدث عن حقوق المواطن المتعددة ابتداء من توفير المتطلبات الأساسية للحياة وانتهاء بحرية الرأي وقول الحقيقة, ولكن للأسف ما يسعون له هو تمرير ما يرتبط بتجريف الهوية الإسلامية وتدويل الشذوذ والعري, ومن يعتقد أني أبالغ في هذا فأرجوه أن يقرأ جميع التوصيات التي يزخر بها تقرير مؤسسة راند الذي أعدته عالمة الاجتماع اليهودية الصهيونية شاريل بينارد, وهي امرأة تزعم أنها من أعرف الناس بالإسلام وخفاياه وأيضا كيفية الإطاحة به، ولذلك كانت هي كاتبة التقرير المسمى الإسلام الديمقراطي المدني, الشركاء والمصادر والاستراتيجيات, وهو التقرير الذي أصدرته مؤسسة راند سنة 2004, هذا التقرير يتطابق مع ما يوجد في توصيات بل أوامر مكاتب الأمم المتحدة ومؤتمراتها المتعددة!!
** ما يهمنا نحن المجتمعات المسلمة هو أننا نؤمن إيمانا كاملا بأن الإسلام الحنيف ليس مجرد دين كبقية الأديان بل هو نظام حياتي شامل، وقدسية تشريعاته تنبع من كونها صادرة عن الذات الإلهية المقدسة التي تفرض على أي مخلوق مهما كان أن ينصاع لها راغما فليس له الخيرة من أمره بعد أوامر الخالق جل وعلا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي