اقتصادات المعرفة.. التقنية من أجل التنمية!!
تفضل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بافتتاح جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، التي تُعتبر بوابة علمية ونقلة حضارية في التجربة والتطبيق. فوجود طُلاب من أكثر من 50 بلداً له دلالاته المعرفية والإنسانية، فالمعرفة اليوم ليست حكراً على بلد بعينه ولا فرد دون سواه، إنما هي سلعة عالمية يتزود بها من شاء وكيفما أراد، ومساهمة هؤلاء الطلاب في مشاريع علمية أثناء وبعد تخرجهم سيُسهم وبشكل واضح في إثراء الساحة المعرفية العلمية لدينا بل والبشرية جمعاء. وليس بالجديد ولا بالمُستغرب أن يباشر ـ رعاه الله ـ دخُول المملكة عصرا جديدا من عصور المعرفة، قوامُه توظيف المعرفة لخدمة التنمية الاقتصادية التي سرنا على خُطاها لما يُقارب الأربعين عاما، ولذا وجب علينا في هذه المرحلة التنموية استخدام العلوم التطبيقية المعرفية من أجل إحداث نقلة نوعية وليست كمية في مُخرجات التعليم لدينا. وبهذا المفهوم تقوم الاقتصادات الحديثة على المعرفة المبنية على التكنولوجيا والتجديد العلمي لتحقيق القيمة المُضافة لكل جهد أو مُنتج باعتبارها العامل المهم والمُحدد للتنافس والبقاء في السوق. لا شك أن عناصر الإنتاج مجتمعة تلعب دوراً في توجيه الإنتاج ونوعيته طبقاً لنظريات كثيرة سواء النسبية منها أو وفرة عناصر الإنتاج، إلا أنه وبالرغم من أهميتها فقد أُضيف إليها حديثاً الإدارة أو المنظم وما تشمله من تقنيات ومهارات وإبداع إنتاجي ما جعل لها وزنا نسبيا يوازي أهمية العناصر التقليدية للإنتاج. في الواقع، من السهولة تعريف اقتصاد المعرفة من الجانب النظري البحت ويشمل بجملته كافة المعارف والمهارات والقدرات التي تسهم في تحفيز العنصر البشري من أجل زيادة الإنتاج أو رفع كفاءته وخاصة الصناعات التكنولوجية المتنوعة وما يتعلق بها من خدمات مالية وإدارية. وعليه فإن اقتصاد المعرفة يُبنى على الإبداع والابتكار بحيث يكون هناك ارتباط وثيق مع المؤسسات الجامعية، الأكاديمية، والبحثية مع توفير الأرضية الخصبة لنشر تعليم يؤدي إلى الثقة بالنفس وتطوير المهارات ويسهم في تلبية حاجة سوق العمل، ولذا نحتاج إلى توفير التجهيزات الأساسية لنمو الإبداع من أجهزة وشبكات إضافة إلى وفرة التشريعات والتنظيمات القانونية التي تسهم في انتشار التكنولوجيا وتؤدي إلى سهولة تداولها. نُدرك جيداً أن أوضاعنا الاجتماعية والاقتصادية كدول نامية بعامة تتطلب جهودا جبارة لتوفير البنية الأساسية اللازمة للتنمية ولمعالجة الكثير من أوجه القصور الاقتصادية كالبيروقراطية والفساد الإداري من أجل تذليل العراقيل التي يصعب تجاوزها من دون علاجها، ولدولتنا الحبيبة الكثير من الجهود البارزة الهادفة إلى تحقيق التنمية وبشكل متوازن ما يجلب الخير والنماء لأبناء الوطن. ومن تجارب الدول على سبيل المثال، حرصت اليابان وهي تبني مجدها الحاضر على نقل جميع العلوم والمعارف العلمية والثقافية إلى اليابانية بالإضافة إلى إرسال البعثات العلمية لطلبتها إلى مختلف البلدان وزيادة رصيدها الثقافي والمعرفي إضافة إلى النشاط الترجمي لكافة العلوم والمعارف حتى تتم الاستفادة من التكنولوجيا الغربية بروح يابانية صرفة مع التمسك بشعار التعليم حق مقدس للجميع على أن تتحمل الدولة تكاليفه أو الشركات اليابانية الخاصة وبذلك لم تلج اليابان عام 1896 إلاّ وأصبحت مجتمعا يخلو من الأمية. ولكي نستفيد من التجارب،على جامعاتنا أن تصعد درجة في سلم أولويات المعرفة التقنية والفنية ونخص بذلك الجامعات الأهلية، فالعبرة ليست في الكم بل الكيف فوجود معايير صارمة تُطبق بحق التخصصات والقبول والتعيين الأكاديمي لابد أن تكون لها الأولوية. إهمال هذه المعايير أو حتى جزء منها سيزيد أعداد الخريجين ممن يمتلكون القليل من المعرفة العلمية التقنية وفي النهاية زيادة البطالة، فالشهادات علمية المصدر لكنها تفتقد الجودة في كثير من الأحايين. لاجدال في حق القطاع الخاص في الحصول على الربح لكن الأولوية للمعرفة وإمكانية تحصيلها، ولذا وجب على الجهات الرقابية الحكومية أن تضع هذا نُصب عينيها وأن يتم دعم الكليات والجامعات الأهلية شريطة تقيدها بالمعايير الصارمة على المنتسبين لها سواء كانوا أعضاء هيئة تدريس أم طلاب. إن تأكيد هويتنا الحضارية المستقلة تدعونا للاعتماد على النفس ولذا لابد أن يتصف مجتمع المعرفة بأنه على قدر من الاهتمام بالمعرفة والبحث والتنمية والاعتماد على الحاسب والإنترنت والإنتاج المعرفي بعامة، لفوائده الاقتصادية من زيادة الإنتاج وتقليل التكاليف الباهظة لكثير من المشاريع التنموية وتقديم الحلول المُبتكرة كالعناية بالمياة وتوفيرها والطاقة الشمسية والكهربائية واستخداماتها والكثير المتعلق بالأمور الحياتية والبيئية، ولهذا شددت الكثير من الدول على حقوق الملكية الفكرية. إن تدفق وتوافر المعلومات بسهولة ودون جهد كبير وتكلفة باهظة، وكذلك القدرة على إعادة إنتاجها وتطويرها بما يخدم التنمية من خلال زيادة التدفقات المالية والتجارة الإلكترونية لا يتأتى ألا بوجود شبكة واسعة وسهلة الاستخدام مع تكثيف الإتصالات وحجم المعلومات. ولعلنا في هذا المقام نذكر أن الاعتماد على النفط قد سهل لنا استقدام الخبرات العلمية والتكنولوجية الجاهزة ماسبب ضعف الطلب المحلي على المعرفة ومن ثم إنتاجها وكذلك انخفاض فرص تحديثها وتطويعها وتطويرها، إضافةً إلى صغر حجم السوق المحلي وضعف المنافسة وعدم وجود الشفافية. لاشك أن الحلول لبناء أجيال تعتمد البحث والتطوير منهجاً تنبع من الاهتمام بالتعليم الإلزامي وبكل أريحية بحيث يتهيأ الطالب من البدايات التعليمية لهذا التوجه، وأما أن نبدأ بالجامعات فقط فلن يكون الأمر على المستوى المطلوب والمأمول. لابد أن تكون المدارس وفي يومها الكامل محضناً للطالب من ناحية التهيئة والتجهيز والمنهج والمعمل بحيث يستطيع تفجير طاقاته وإبداعاته الفكرية وإمكاناته العلمية.