هيكل الاقتصاد السعودي وإمكانات التغيير!!
إن السمة المُميزة للمملكة ومنذ تأسيسها، هي وضع قضايا بناء الوطن والمواطن على قائمة أولوياتها ومنها تحدي التخلف الاقتصادي والاجتماعي وما يترتب عليه من إنجاز لمهمات التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة، التي نأمل منها إحداث نقلات نوعية وكمية تضعنا في المكان المناسب. بالتأكيد سيكون نتيجة ذلك بناء دولة حضارية بكل ما تعنيه هذه الكلمة، مُرتكزة على أسس إنتاجية سليمة تضمن لها الاستمرار والنمو وتحقيق الرفاهية لكافة أبنائها، وهذا في حقيقته لن يتحقق إلا من خلال العمل البناء لتحقيق مُنجزات حضارية مادية تُفرز أمة قائدة لشقيقاتها العربيات، ومنارا تهتدي به بقية المجتمعات الإسلامية. هذا التوجه كان إلهاماً لكل مسؤول في هذا الوطن للتركيز على العمل الجاد من أجل تحقيق البناء النهضوي المعاصر. ومن المسائل المهمة، اتصاف اقتصادنا الوطني بعامة بضعف الهياكل الإنتاجية وارتفاع مساهمة القطاعات الاستخراجية في تكوين الناتج المحلي الإجمالي في المُقارنة بمساهمة القطاعات الزراعية والصناعات التحويلية، إضافةً إلى ضيق السوق المحلي، وزيادة الاعتماد على الأسواق الخارجية في الاستيراد. فالصناعة كانت ولا تزال تلعب دوراً مهماً في البلدان المتقدمة ولهذا أصبح التوجه الصناعي هدفاً مرسوماً للقيادة الحكيمة من أجل تحقيق التنمية المُستدامة، وقد تجلى هذا الاتجاه في تطور مؤشرات القطاع الصناعي، حيث أسهمت الصناعات التحويلية بما يُقارب الـ 2 في المائة عام 1969 وارتفعت إلى نحو 7 في المائة من الناتج المحلي عام 2005، بينما ارتفعت قيمتها المُطلقة من 569 مليون ريال إلى ما يقارب الـ 61 مليار ريال للفترة ذاتها. ومما لا شك فيه، أن قطاع النفط يُشكل العمود الفقري لهيكل الاقتصاد السعودي، ولهذا تفاوتت الأهمية النسبية لمساهمة القطاعات الاقتصادية في تكوين الناتج المحلي الإجمالي، فعلى سبيل المثال ارتفعت القيمة المُطلقة لإيرادات الزيت الخام من 119,5 مليون ريال عام 1969 لتصل إلى نحو 000,491 مليون ريال عام 2005، أي نحو 5,88 في المائة من إجمالي الإيرادات عام 2005. أما مشاركة القطاع النفطي في الناتج المحلي الإجمالي فقد ارتفعت قيمتة المُطلقة من 572,7 مليون ريال عام 1969، ليصل إلى ما يُقارب الـ 550 مليار ريال عام 2005، بأقيام المنتجين وحسب الأسعار الجارية. لقد تعرض الناتج المحلي الإجمالي للانخفاض بشكل ملحوظ في أواسط الثمانينيات الميلادية نتيجةً لانخفاض الطلب العالمي على النفط في الأسواق الدولية، حيث تراجعت مساهمة القطاع النفطي في الناتج المحلي الإجمالي من 3,41 في المائة عام 1981 لتصل إلى حدود الـ 25 في المائة عام 1985. أما النسبة المئوية لتوزيع الناتج المحلي وحسب أسعار 1999، فقد سجل قطاع النفط تراجعاً من 47 في المائة عام 1969 ليصل إلى نحو 29 في المائة عام 2005 في إشارة قوية إلى وجود خطوات جادة من قبل الدولة - حفظها الله - لتنويع القاعدة الإنتاجية، حيث سجلت مساهمة القطاع غير النفطي نحو 70 في المائة للعام ذاته. القطاع النفطي الذي تعتمد عليه المملكة له خصائص تجعله مُميزاً عن غيره من القطاعات الاقتصادية، حيث تتطلب هذه الصناعة كما هائلا من الاستثمارات الرأسمالية وعليه فإن معدل الإنفاق فيها مُرتفع وبالأخص في المجمعات النفطية التي تتطلب توافر الكهرباء والماء والغاز وخلافه، كما أنها تتصف بالتقدم التكنولوجي المتواصل، وكذلك تتطلب استثمارات هائلة في مجال البحوث العلمية والعملية لتطوير وتجديد عملياتها، إضافةً إلى ارتفاع درجة المهارات الإدارية والعمالية المطلوبة لتفعيل هذا القطاع. في واقع الأمر، يُمكن النظر إلى هذه الصناعة من خلال درجة تكاملها وتداخلها الصناعي مع بقية القطاعات الأخرى، أي من خلال روابطها الأمامية والخلفية. فقيام الصناعات الوليدة بإمداد الصناعة المُحفزة بالمستخدمات والمنتجات يُطلق عليها روابط خلفية، أما الروابط الأمامية فتعني مساهمة هذه الصناعة النفطية ودورها في تمويل وتجهيز صناعات قائمة وجديدة وإمدادها بمنتجاتها كمستخدمات داخلة لهذه الصناعات. فالانفصال بين قطاع النفط ومكونات الاقتصاد الوطني هو في الحقيقة ليس وليد الصدفة، إنما يرجع إلى طبيعة هذا القطاع والخصائص التي ميزته عن غيره من القطاعات الاقتصادية الأخرى. يبقى دمج هذا القطاع مع مكونات الاقتصاد الوطني يستلزم جهوداً جبارة ومتواصلة من خلال إقامة صناعات قائمة على التصفية والتكرير وكذلك الصناعات البتروكيماوية حتى توجد صناعة رائدة وداعمة للاقتصاد الوطني. من العرض السابق نلحظ ان ثمة تغيرات مهمة قد طرأت على هيكل الاقتصاد الوطني وطبيعته التشكيلية وهذا دليل ملموس على الجهود الجبارة التي تبذلها الدولة من أجل إحداث تغييرات واضحة المعالم لمعالجة الاختلالات الهيكلية وتقريب الفجوة بين التطور الحاصل في القطاعات الإنتاجية المختلفة. وبناءً عليه، فإن الروابط الأمامية لقطاع النفط أقوى من الروابط الخلفية خاصةً الصناعات التكريرية والكيماوية وصناعة التصفية، وعلى هذا فإن خططنا المُستقبلية يجب ان تأخذ هذه الحقائق بعين الاعتبار، خاصةً إذا أدركنا أن ميزتنا النسبية في هذه القطاعات الاستخراجية لا يمكن مقارنتها بالغير وهذا سيكفل لنا موردا متجددا ومستمرا للدخل، بحول الله. توجيه الاستثمارات الحكومية والخاصة للصناعات التكنولوجية قد يكون ذا جدوى خاصةً إذا علمنا ان الإمساك بزمام التكنولوجيا هو المدخل لصناعة قوية ومستقبلية وغير مُكلفة. التوجه نحو الصناعات التحويلية البسيطة قد لا يكون ذا فائدة وفيه هدر للفرص المالية والاقتصادية خاصةً في ظل الانكشاف العالمي على الأسواق المحلية. رسم استراتيجيات واعية وذات أبعاد اقتصادية شاملة لتحقق أهدافنا التنموية الطموحة غير قابل للتجزئة أو التأجيل.