محمد بن فهد.. ربع قرن من العطاء والبناء
مازلت أتذكر ذلك اليوم قبل ربع قرن من الزمان حين زفت لنا أجهزة الإعلام البشرى بتسلم صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن فهد بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله مسؤولية إمارة المنطقة الشرقية. كنت أعي جيداً، رغم حداثة التجربة آنذاك في الشأن العام، مدى أهمية ذلك القرار الذي اتخذه المغفور له الملك فهد يرحمه الله انطلاقا من قناعة راسخة بحاجة المنطقة الشرقية لأمير قوي يحمل رؤية استراتيجية واضحة للتطوير والبناء والحفاظ على كيان هذا الوطن عزيزاً مهاباً، ليس فقط بسبب ما تمتاز به هذه المنطقة من أهمية بالغة من النواحي الجيوسياسية والاقتصادية للمملكة والعالم، بل أيضا بسبب الظروف الموضوعية التي كانت في غاية التعقيد والحساسية على جميع الأصعدة الساسية والأمنية والاقتصادية في تلك الفترة، لذلك كان وقوع الخيار على سموه لم يكن قراراً سريعاً مرتجلا بقدر ما هو ضمن استراتيجية عليا لمواجهة ظروف تلك المرحلة الصعبة وما يتلوها من تداعيات. في فترة وجيزة استطاع سموه بما يمتع به من صفات القائد الحصيف من حنكة وبعد نظر وسعة صدر، أن يعبر بالسفينة وسط ذلك البحر المتلاطم بالأمواج العاتية إلى بر الآمان بيسر وسلام متجاوزاً كل تلك الأزمات الكؤؤد التي عايشتها المنطقة في أكثر من اتجاه. وهنا يكون النجاح متميزاً حين يبرز وسط هذا العالم من التحديات التي مرت بها العالم عموماً والمملكة خصوصاً والمنطقة الشرقية على وجه أخص بحكم تماسها جغرافياً بمنطقة ملتهبة حدثت فيها ثلاث حروب كبيرة غيرت وجه التاريخ في هذه البقعة من العالم وكان لها تأثير بالغ في الوضع الدولي والإقليمي ولا يزال.
إن الإنجاز الأعظم في هذه المرحلة في نظري هو ما استطاع سموه من خلق جو من الأمان والطمأنينة عند المواطن والمقيم في المنطقة الشرقية فلم يشعروا بتداعيات الأزمة في حياتهم اليومية بل كان الجميع دون استثناء يعيش حياته الخاصة والعامة عرضا وطولا متمتعا بمستوى من الرفاه الاقتصادي والأمن الاجتماعي ما ننافس فيه أكثر البلدان تقدماً واستقراراً، أما على صعيد التنمية فالعجلة لم تتوقف بل تسارعت حركتها في كل المجالات سواء فيما يتعلق بإنشاء البنى التحتية والفوقية أو الخدمات التعليمية والصحية وغيرها مما يحتاج إليه المواطنون ولعل تطوير شبكة الطرق السريعة والداخلية وتطوير للمناطق الساحلية والتوسع الكبير في النطاق العمراني في جميع مدن المملكة وما تم إنشاؤه من جامعات وكليات ومعاهد ومستشفيات ومدن صناعية كلها شواهد حية تنبض بالشكر والعرفان لراعي هذه المرحلة الغنية الثرية من تاريخ هذه المنطقة وحاضرها ومستقبلها. لمست عن قرب اهتمام سموه حفظه الله بالتنمية في جميع مجالاتها وكان ذلك في أكثر من مناسبة، مازلت أذكر كلمته الجامعة لنا حين استدعانا سموه للاجتماع به في مكتبه الخاص كأعضاء مجلس بلدي منتخبين فقط على مستوى مجالس المنطقة الشرقية من حفر الباطن وحتى واحة يبرين، أخبرنا بتمنيه أن يشمل مهام المجلس البلدي كل ما يتعلق بالتنمية من صحة وخدمات عامة .. إلخ، وأعطانا نصائح كانت تمثل خلاصة تجربته في هذا الصعيد.
توالت بعدها اللقاءات وتعددت التوجيهات والتوصيات في هذا المجال وغيره، ولعل أبرز ما لاحظته حين اقتربت أكثر من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن فهد بن عبد العزيز هو اللمسة الإنسانية التي تتخلل قراراته حتى في أكثرها حساسية التي تحتاج إلى حسم، لا أنسى حين حادثته يوماً ما حول بعض الأماكن المتوترة من الناحية الأمنية وأن الحل الأمني الحاسم لوحده قد يمنع الظاهرة اليوم لكنه لن يقضي على بروزها مرة أخرى وقد يكون ظهورها بشكل أكبر وأخطر ما لم يرافق هذا الحل علاجات أخرى تمنع تكرر حدوثها في الحاضر والمستقبل، رغم حديثي لسموه كان عابراً وسريعاً إلا أنه أخذه مأحذ الجد وعليه تمت اجتماعات مكثفة مع الجهات المعنية لمناقشة هذه الاقتراحات وخرجنا بنتائج رائعة كانت خلاصتها إنشاء مشاريع تنموية تعنى بشؤون جميع الشرائح وخصوصاً فئة الشباب وكذلك حل المشكلة السكانية للفقراء وخصوصا سكان بيوت الصفيح والآيلة للسقوط وحل بعض القضايا المستعصية التي تشكل عقبة كأداء في طريق التفاعل الإيجابي بين المواطن والمسؤول. هذه المشاريع أجزم أنها، بإذن الله، ستكون أحلى رسالة حب وعطاء يقدمها المسؤول الإداري الأول في المنطقة لمواطنيه الذين لابد أن يبادلوه هذه المشاعر حباً صادقاً ملؤه الولاء والإخلاص إن شاء الله تعالى.