الصك المسطر في مصر أداة ائتمان وليس شيكاً

تسطير الشيك هو وضع خطين متوازيين في صدره, بينهما فراغ أو بينهما كلمة بنك (وهذا يسمى التسطير العام), أو يكتب بين الخطين المتوازيين اسم بنك معين (وهذا هو التسطير الخاص).
ويترتب على تسطير الشيك سواء كان التسطير عاماً أو خاصاً, أنه لا يجوز للبنك المسحوب عليه أن يتسلم شيكاً مسطراً لوفاء قيمته إلا من أحد عملائه أو من بنك آخر, كما لا يجوز له أن يقبض قيمة هذا الشيك لحساب أشخاص غيرهم, ويكون الوفاء بقيمة الشيك المسطر عن طريق الإيداع في أحد البنوك, فلا يجوز دفع قيمته للمستفيد نقداً.
وفى التسطير العام للشيك يدفع البنك المسحوب عليه قيمته في حساب المستفيد لدى أي بنك, أما في التسطير الخاص للشيك فيدفع البنك المسحوب عليه قيمة الشيك لحساب المستفيد لدى البنك المعين اسمه بين الخطين المتوازيين.
والقاعدة أن الشيك أداة وفاء يقوم مقام النقود, لذا فإنه مستحق الوفاء بمجرد الاطلاع وكل بيان يخالف ذلك يعتبر كأن لم يكن (المادة 503/1 من قانون التجارة), فإن قدم الحامل الشيك إلى البنك المسحوب عليه للوفاء قبل التاريخ المبين في الشيك تعين على البنك المسحوب عليه صرف قيمة الشيك يوم التقديم متى كان لـه مقابل وفاء قابل للصرف.
ومعنى عبارة (وكل بيان يخالف ذلك يعتبر كأن لم يكن) أن يلتزم البنك المسحوب عليه بصرف قيمة الشيك حتى ولو كان تاريخه لاحقاً لتاريخ تقديمه للبنك أو كان الساحب قد دون على هذا الشيك عبارة (لا يصرف إلا في تاريخه).
استثنـاء الشيكات المسطرة والشيكات الحكومية من الدفع لدى الاطلاع
تأجل أكثر من مرة تطبيق المواد الخاصة بالشيك الواردة في قانون التجارة بسبب اعتراض بعض التجار على جعل الشيك أداة وفاء يصرف عند تقديمه إلى البنك المسحوب عليه حتى ولو كان تاريخه لاحقاً, واعتراضهم على وجوب تحرير الشيك على نموذج البنك المسحوب عليه, وكانت حجة التجار في ذلك أن لديهم عديدا من الشيكات الخطية بتواريخ آجلة مقابل البيع بالتقسيط, وكان الحل الذي لجأ إليه المشرع أن استثنى الشيكات المسطرة والشيكات الحكومية من قاعدة وجوب الوفاء بقيمتها يوم تقديمها إلى البنك المسحوب عليه, ونص صراحة على أنها لا تكون مستحقة الوفاء إلا في التاريخ المبين فيها كتاريخ لإصدارهـا (المادة 503/2 من قانون التجارة) .
رأينا في استثناء الشيكات المسطرة والشيكات الحكومية من الدفع لدى الإطلاع.
وقد انتقدنا مشروع قانون تعديل أحكام قانون التجارة باستثناء الشيكات المسطرة والشيكات الحكومية من الدفع بمجرد الاطلاع وقلنا في مقال لنا بعنوان ''الشيك المسطر والآثار السلبية لتعديل أحكامه'' نشر في ''العالم اليوم'' في 10/7/2004, أنه على الرغم من أن المشرع أدرك تماماً أن الشيك أداة وفاء واجبة الدفع لدى الاطلاع, لذا ينبغي حماية قبوله في المعاملات كأداة وفاء تجري مجرى النقود, ورغم أن المادة 503 من قانون التجارة تنص على أن الشيك مستحق الوفاء بمجرد الاطلاع وكل بيان يخالف ذلك يعتبر كأن لم يكن, وأنه إذا قدم الشيك للوفاء قبل اليوم المبين فيه كتاريخ إصداره وجب وفاؤه يوم تقديمه, إلا أن مشروع تعديل القانون استثنى في الفقرة الثانية من المادة بعاليه الشيكات المسطرة المنصوص عليها في المادة 515 من القانون ذاته والشيكات الحكومية من قاعدة أن الشيك مستحق الوفاء بمجرد الاطلاع, فلا تكون مستحقة الوفاء إلا من التاريخ المبين فيها كتاريخ لإصدارها. وقلنا المعروف أن الشيك أداة وفاء لأنه يجري مجرى النقود ويقوم مقامها في المعاملات فحينما يتسلم الشخص شيكاً فكأنـه قد تسلم نقداً, ولهذا فإن الشيك يصرف في تاريخ تقديمه إلى البنك المسحوب عليه حتى ولو كان يحمل تاريخـاً لاحقـاً, أما أداة الائتمان فإنها
لا تصرف إلا في تاريخ الاستحقاق الوارد فيها.
وجعل الشيك المسطر والشيك الحكومي لا يصرف إلا في التاريخ المبين فيه كتاريخ لإصداره (فلا يجوز للبنك المسحوب عليه دفع قيمته قبل ذلك التاريخ) يجعل من كل منهما أداة ائتمان وليس أداة وفاء, وهذا بدوره يؤدي إلى إخراج هذين الشيكين من عداد أنواع الشيكات الواردة في قانون التجارة ليصبح كل منهما مجرد أمر دفع موجه إلى البنك, وبالتالي لا تسري عليهما أحكام الشيكات الواردة في قانون التجارة مع
ما يترتب على ذلك من آثـار.
والسبب في أن الشيك المسطر والشيك الحكومي سيخرج من عداد أنواع الشيكات أن المادة (473/ب) من قانون التجارة نصت على البيانات الإلزامية التي يجب أن يشتمل عليها الشيك ومنها '' أمر غير معلق على شرط بوفاء مبلغ معين من النقود ومكتوب بالحروف والأرقام'' .
وجعل الشيك المسطر والشيك الحكومي لا يصرف إلا في التاريخ المبين فيه هو تعليق لأمر الدفع على شرط هو حلول الأجل الوارد في الشيك, وبالتالي يتخلف هذا البيان الإلزامي الذي يجب أن يشتمل عليه الشيك .
ويترتب على تخلف هذا البيان الإلزامي الجوهري ألا يعتبر الصك شيكاً ( المادة 474 من قانون التجارة ), لا سيما أن المادة 503/2 الخاصة باستثناء الشيك المسطر والشيك الحكومي من وجوب الوفاء بمجرد الاطلاع لم تنص على استثناء هذين النوعين من الشيكات من وجوب توافر البيان الإلزامي الوارد في المادة 473/ب, وعلى هذا يصبح الشيك المسطر والشيك الحكومي مجرد صك وليس شيكاً, وبالتالي لا تسري عليه أحكام الشيك الواردة في قانون التجارة .
فإذا قدم الحامل الشيك المسطر أو الشيك الحكومي إلى البنك المسحوب عليه قبل حلول الأجل المبين فيه ومنحه البنك بيان امتناع عن الدفع بسبب عدم حلول هذا الأجل فقد الشيك صفته كورقة تجارية .
الآثار السلبية للاستثناء
ويترتب على الاستثناء بعاليه آثار سلبية أهمها:
(1) لا يجوز للبنك إصدار بيان امتناع عن الدفع للرجوع على ساحب الصك المسطر أو الصك الحكومي:
يقع قانوناً على عاتق البنك المسحوب عليه الشيك القيام بمجموعة من العمليات المصرفية والفنية قبل صرف الشيك أهمها التحقق من السلامة القانونية للشيك, بمعنى أن يتحقق من أن الورقة المقدمة إليه من المستفيد للصرف نقداً أو بالإيداع في الحساب شيكاً بالمفهوم الذي حدده القانون, وأول ما يتحقق منه البنك المسحوب عليه هو التحقق من توافر البيانات الإلزامية التي نص عليها القانون والتي يترتب على تخلف أحدها ألا تعتبر الورقة شيكاً ومنها أن تتضمن الورقة أمراً غير معلق على شرط بوفاء مبلغ معين من النقود, فإذا كان تعديل القانون قد جعل الشيك المسطر والشيك الحكومي أداة ائتمان لا يصرف إلا في التاريخ المدون فيه كانت الورقة مجرد أمر دفع موجه إلى بنك وليست شيكاً, ولذا يمتنع على البنك المسحوب عليه في حالة عدم وجود رصيد للآمر بالدفع (أو وجود أمر من الساحب بعدم الصرف في غير الحالات المقررة قانوناً, أو تحرير الصك أو التوقيع عليه بسوء نية على نحو يحول دون صرفه) أن يصدر للمستفيد بيان امتناع عن الدفع للرجوع على الساحب, وهو البيان المنصوص عليه في المادة 518/1 من قانون التجارة, لأن هذا البيان لا يصدر إلا عن شيك والورقة المقدمة للبنك (الصك المسطر أو الصك الحكومي) ليست شيكاً, ولا عقاب على البنك بمقتضى المادة 533/ج من قانون التجارة إذا لم يسلم إلى المستفيد هذا البيان لأن الأمر لا يتعلق بشيك.
وإذا سلم البنك البيان بعاليه إلى حامل الصك المسطر أو الصك الحكومي كان مخطئاً, وقام الحامل باتخاذ إجراء جنائي ضد الساحب بسبب عدم صرف الصك المسطر والصك الحكومي فإن الساحب لا يعاقب جنائياً, وإن أصاب الساحب ضرر مادي أو معنوي بسبب إجراء الحامل كان البنك المسحوب عليه ملزماً بجبر هذا الضرر .
(2) لا جريمة عن إصدار صك مسطر دون رصيد
المعروف أن العقوبة عن جريمة إصدار شيك بدون رصيد المنصوص عليها في المادة 534 من قانون التجارة (ومن قبلها المادة 337 عقوبات) تتعلق بالشيك بمعناه الصحيح وهو الصك الذي يشتمل على البيانات الإلزامية الواردة في المادة 473 من قانون التجارة, وأهمها أمر دفع غير معلق على شرط بوفاء مبلغ معين من النقود على اعتبار أن الشيك أداة وفاء يصرف في تاريخ تقديمه للبنك المسحوب عليه, فإن تخلف هذا البيان الإلزامي وكان الصك لا يصرف إلا في التاريخ المدون فيه كان أداة ائتمان وليس شيكاً وبالتالي لا جريمة عن إصداره بدون رصيد, وفى هذا قضت محكمة النقض بأن: الشيك الذي تقصده المادة 337 من قانون العقوبات (حالياً المادة 534 من قانون التجارة) المعاقب على إصداره إذا لم يكن له رصيد مستكمل الشرائط المبينة فيه هو الشيك بمعناه الصحيح على اعتبار أنه أداة وفاء توفى به الديون في المعاملات كما توفى بالنقود تماماً, ما يقتضي أن يكون مستحق الدفع لدى الاطلاع عليه, فإذا كانت الورقة قد صدرت في تاريخ معين على أن تكون مستحقة الدفع في تاريخ آخر فلا يمكن عدّها شيكاً بالمعنى المقصود وذلك لأنها ليست أداة وفاء (محكمة النقض: الطعن رقم 254 سنة 14 ق - جلسة 10/1/1994).
(3) لا يجوز تداول الصك المسطر أو الشيك الحكومي بالتظهير
التظهير ببساطة شديدة هو توقيع المستفيد خلف الشيك ويترتب عليه نقل ملكية الشيك إلى من تسلمه من المستفيد أو يترتب عليه تفويض البنك في تحصيل قيمة الشيك لحساب المستفيد, وهذا التظهير لا يرد إلا على الشيكات لأمر, والتاجر في حاجة دائماً إلى تظهير الشيكات المحررة لأمره وتسليمها لدائنيه الذين يتعامل معهم, كما قد يظهر التاجر الشيك لبنكه لتحصيل قيمته وإيداعها في حسابه لدى البنك. فإذا كان الصك المسطر والصك الحكومي يخرج من عداد الشيكات ويصبح مجرد أمر دفع بمجرد تقديمه للبنك المسحوب عليه, فإنه لن يتداول بعد ذلك بطريق التظهير, حيث لا يجوز تظهيره, ولا يجوز للبنك قبول تظهيره سواء كان التظهير ناقلاً للملكية أو كان لتحصيل قيمته, لأن الذي يجوز تظهيره هو الشيك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي