كان شُعلةً إبداعيةً متوقّدةً ومثيرة د. غـــــازي القصـيـبــي
. . وكان شخصيةً إداريةً وسياسيةً وثقافيةً متوهّجة، منذ أن أطلّ على المشهد الأكاديمي في مطلع السبعينيات، ثم ظل يصعد السلّم الإداري الوزاري حتى عثر به قلمه منتصف الثمانينيات إثر قصيدته الشهيرة التي عارض بها قصيدة أبي الطيّب في عتاب سيف الدولة صاحب حلب، إبّان القرن العاشر الميلادي، قال غازي في مطلعها :
بيني وبينك ألف واشٍ ينعب فعلام أسهب في الغِناء وأُطنب ؟
l عاد للظهور ثانيةً على مسرح السياسة السعودية سفيراً في مرتع شبابه (البحرين)، فبريطانيا، ثم عاد إلى وطنه ليتقلّب في وزارات عدة، انتهاء بمركزه الأخير (وزارة العمل) مع دور استشاري سياسي مركزي مقرّب.
l كان فارس كلمة لا يشقّ له غبار، مثّلث الكتابة له رئته الثالثة، وصار الشعر لسانه الثاني، والتأليف مجموعة محابره وأقلام جيبه.
l عشق الأضواء عن جدارة، وخاض غمار الكلمة عن إتقان، وقارع الحجة عن مقدرة، واقتصد في الإطراء والرّياء، كان ينزوي حينما يصبح الانزواء أتقى له، ويتجلّى عندما يتحدث أو ينظم أو يعبّر.
l أجمع عارفوه على قدراته الفكرية، وعلى كفاياته الإدارية، وعلى براعته الثقافية والتأليفية، ثم اختلفوا على أدائه في الوزارة الأخيرة، بين الإنجاز، والإخفاق، وهل صحيح أن ما جمعه من مجد إداري قد أضاعه في مصْيدة (توطين الوظيفة) في سوق العمل السعودي؟
l أتقن قصيدة التفعيلة والقافية، وتأثّر بالمتنبي، ونازع نزار قباني مقعده الشعري، بهر المثقفين بطلاوة عبارته، وفرض ظاهرة «القصيبية» بسعة معارفه، وتصدّى للغلّو في مطلع التطرّف قبل عقدين، بشجاعة لا شطط فيها.
l ابتعد عن حياة الترف رغم قربه منها، وتسيّد منصّة الليبرالية المنضبطة، ومنبر الحداثة الواعية، والأصالة المستنيرة، ومَلَك ناصية التنّوع الفكري واللغوي، يُفاجِئُك بسيرة، ثم يُتبعها برواية، ويُلحقهما بديوان شعر، إن شئته مؤلفاً فهو غزيره، وإن ظننته إدارياً فحسبك به، وإن أردته شعبياً فما أخطأت، وأن حَسِبته ارستقراطياً فقد ورث العناصر التي تجعل منه ذلك.
l كان المغرورَ المتواضعَ، البسيطَ الممتنع، المثاليَّ الواقعي، الصريح المؤدّب، قادحَ القريحة، لاذعَ التعليق، بليغَ الوصف.
l كان تركيبةً من التوقّد الفكري، والوهج المجتمعي، كثر الجدل فيه وعنه إلاّ في شيء واحد: نزاهة اليد والقلب.