ماذا ستفعل اتفاقية بازل 3؟

أقرت مجموعة من محافظي ورؤساء الإشراف في لجنة بازل للإشراف المصرفي حزمة جديدة من المعايير التنظيمية في الثاني عشر من أيلول (سبتمبر) 2010م. ومن المحتمل أن تصبح الاتفاقية الحالية من أكثر العواقب استمرارية للانكماش العالمي الحالي وإحدى أهم المحاولات الملموسة للتخلص من بعض قضاياه. ومع الترحيب به كما هي الحال بالنسبة للمعايير الأكثر صرامة، إلا أنه ليس من الواضح أن ترقى اتفاقية بازل إلى مستوى طموحاتها. ويبدو أن الغالبية العظمى من البنوك متوافقة مع النظم الجديدة حتى إنها متوافقة أيضاً مع تلك التي لم يتسن لها التوافق معها لفترة مطولة. ويبدو أن السبب في ابتهاج السوق هو إقرار مبدأ "العمل كالمعتاد" على عكس نوايا صائغيه.
وعندما يهز العالم حدث بجسامة الأزمة العالمية الحالية، فمن المؤكد أن تكون التغييرات العميقة حتمية ومرغوبة. فقد أعطتنا الأزمة الاقتصادية العظمى اعتقاداً مطولاً عما كان يعرف خطأً بـ(النظرية الكينزية) بدعم من إعادة تخطيط السياسة الأساسية في العديد من البلدان. وقد أوضحت لنا الأزمة الحالية أن النماذج الأساسية لرسم السياسة الاقتصادية ما قبل الأزمة لابد أن تخضع لتغيير عميق. ومع ذلك، كانت الحاجة للتغيير واضحة لوقت طويل، إلا أن طبيعتها الفعلية وتوقيتها كانا أقل وضوحاً. وبالرغم من كثرة الحديث عن الإصلاح، إلا أن الإصلاح التنظيمي الفعلي جاء بطيئاً ويميل إلى الحدوث في إطار وطني أساسي. ولعل من أبرز الأمثلة على ذلك قانون دود فرانك لإصلاح وول ستريت وقانون حماية المستهلك في الولايات المتحدة.
فقرارات لجنة بازل تعد محاولة متأخرة إلا أنها أساسية لخلق إطار عالمي للأحكام التنظيمية الكلية ما قبل الأزمة. وهذا أمر مهم، على الأقل من أجل الدور الأساسي الذي يلعبه عدم التنسيق الدولي في إشعال الأزمة في وقت اكتسبت فيه العديد من شركات القطاع المالي بصمة عالمية واضحة. وفي ظل هذه الظروف، ساهمت الموازنة التنظيمية وبشكل كبير في تعقيد الجهود التي يبذلها المشرفون الوطنيون لمراقبة وفهم المخاطر التي تواجههم.
ماذا ستفعل اتفاقية بازل 3؟ بازل 3 هي تسوية سياسية حتمية تهدف إلى مواجهة عدد كبير من المخاوف المختلفة والمتناقضة. ولهذه الاتفاقية آثار مفهومة بالنسبة لنطاقها وشدتها. ومع ذلك، فقد استُلهمت الأنظمة الجديدة من درجة عالية من الإجماع حول مجالات التركيز الأساسية للإصلاح. وفي جوهرها، ستسعى المعايير الجديدة لتحسين رأس المال والسيولة القليلة المتوفرة للمصارف بينما تحد من درجة الإقراض المحتمل للمصارف. وبالاقتباس من البيان الرسمي للجنة بازل للإشراف المصرفي "فإن الهدف من حملة الإصلاح هو تحسين قدرة القطاع المالي على مواجهة الصدمات الناشئة عن الضغط الاقتصادي والمالي، أياً كان مصدره، مما يقلل من خطر تسربها من القطاع المالي إلى الاقتصاد الحقيقي". وعادةً ما تصور الابتكارات معايير أكثر شدة من تلك المكتسبة تحت بازل 2:
• سيتعين على البنوك الحصول على رأسمال من الفئة 1 يساوي 4.5 في المائة من أصولها، بارتفاع عن 2.0 في المائة في الوقت الحاضر. وبحلول 2019م، سيتوقع من البنوك أن تمتلك صندوقاً لاحتياطي رأس المال الإضافي يصل إلى 2.5 في المائة من أسهمها المشتركة إذا كانت ستتجنب القيود على المكافآت والأرباح النقدية. ويجب أن يكون الشكل السائد من الفئة1 لرأس المال أسهما مشتركة وأرباحا مستبقاة. ويمكن للمنظمين الوطنيين فرض رسوم إضافية مضادة للتقلبات الدورية تصل إلى 2.5 في المائة.
• سيتعين على البنوك تقديم أدوات أكبر للسيولة، مكونة بشكل أساسي من أصول عالية السيولة مثل السندات الحكومية. ومن المرجح أن تطبق مثل هذه النسب على نطاق وطني مع احتمالية بدئها في 2013م.
• اتفق المنظمون على اختبار الفئة1 من نسبة الإقراض 3 في المائة. وفي حين سيكون هذا الشرط إلزامياً فقط في 2018، إلا أنه سيتعين على المصارف الكشف عن نسب إقراضها اعتباراً من 2015م.
ومن المتوقع فرض المزيد من القوانين على "المؤسسات التي يستبعد فشلها" مع أن طبيعتها الفعلية تبقى محلاً للخلاف.
ما سبب ابتهاج السوق؟ لقد كانت ردة فعل السوق على اتفاقية بازل إيجابية بشكل كبير لسببين رئيسيين. أولاً، المعايير الجديدة مع أنها أكثر تشدداً من ذي قبل، إلا أنها لا تتطلب الكثير لجمع رأس المال. فطريقة احتساب النسب الأساسية لرأسمال من الفئة 1، واحتمال حدوث مسائل حقوقية كبرى، إلى جانب أن احتمالية إضعاف قيمة الأسهم الحالية، تبدو الآن أكثر بعداً. ثانياً، ارتفاع رأس المال والسيولة سيتم تدريجياً وعلى مراحل وفي بعض الحالات ستكون معرضة لحذر كبير. وفي الوقت الحاضر، هناك ضغط كبير وصريح على البنوك من أجل رفع عمليات الإقراض. وقد كان المنظمون حريصين على ضمان عدم التأثير العكسي لسرعة التطبيق على الاقتصاد الكلي من خلال خفض ائتمان المصارف.
كيف ستغير اتفاقية بازل3 العالم؟ مع أن الارتياح الجماعي يبدو على السوق، إلا أن بازل 3 هو النقلة النوعية التي سيتم فهم ضخامتها مع مرور الوقت.
وهناك ثلاثة أسباب محددة لذلك:
• قد تثبت القوانين صرامتها أكثر من المتوقع. فقد أوضح البعض أن متطلبات رأس المال لمستوى معين من المخاطر قد ترتفع إلى ثلاثة أضعاف. علاوة على ذلك، فالعناصر التي لا تزال مفقودة في اللوائح قد تخلق المزيد من الأعباء، حتى مع أن التقديرات الأكثر مصداقية تشير إلى الحد الأدنى من التكاليف الاقتصادية والرأسمالية الحقيقية.
• قد تتحول توقعات السوق لصالح التنفيذ الأسرع وتخلق حالة يتم فيها مكافأة البنوك الأكثر توافقاً، مما يجبر البنوك الأخرى على السير على نهجها. وسيتم التصدي لهذه الميول من قبل ضغط المساهمين للحصول على عائدات أعلى والضغوطات السياسية للمزيد من الإقراض.
• لا يزال لدى المنظمين الوطنيين المزيد من الفسحة لتنفيذ اللوائح ومن المحتمل أن يقوم العديد منهم بتعزيزها، وذلك بفرض قوانين جديدة على أسواقهم المحلية.
لا يزال من الصعب جداً توقع تأثير بازل 3 في هذا الوقت نظراً لعدد من المتغيرات غير المعروفة وقوى التعويض المختلفة. هذا في حين أن هناك فرصة ما لدورة حميدة تكافئ الأفضل أداء، إلا أن هناك أيضاً قلقا كبيرا حول احتمالية حدوث فقاعات أو أزمات جديدة. وهناك خطر آخر للنماذج التنظيمية المتعلقة بالبنك وهي قدرة القطاع المالي الهائلة على الابتكار. وكثير من الأنشطة التي تقوم بها المصارف قد تتحول مع الوقت إلى المؤسسات غير المصرفية لتكون عرضة للوائح تنظيمية مختلفة مما يؤدي إلى عودة الأزمة القديمة بحلة جديدة.
وعالمياً، تتوافق بازل 3 مع الحكمة السائدة التي تشير إلى أن الأسواق الناشئة ملاذ آمن نسبياً. فالإدارة المحافظة والمواقف التنظيمية على مر السنين تعني أن أغلب البنوك، بما فيها السعودية، قد لبت بارتياح متطلبات بازل 3. تقدر ممتلكات البنوك الآسيوية بـ400 مليار دولار من رأس المال الفائض، نحو 153 مليارا منها في الصين. وهذا قد يمكنها من مواصلة تعزيز مكانتها من خلال عمليات استحواذ حتى وإن بقيت القيود والعوائق التنظيمية وفيرة.

كبير الاقتصاديين
في الأهلي كابيتال

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي