أزمة المياه والكهرباء .. الحلول الناجعة!

تعتبر قضية نقص الموارد المائية من المشاكل الكبيرة التي تقلق كل دول العالم اليوم، وكل الدول حاولت أن تعالج هذه المشكلة بطريقتها، ولكن حكومة المملكة العربية السعودية تسعى إلى توفير المياه في السوق السعودية عن طريق مصدرين، المصدر الأول تحلية المياه المالحة، ويشكل هذا المصدر ما نسبته 60 في المائة، والمصدر الآخر حفر المزيد من الآبار ويشكل هذا المصدر ما نسبته 40 في المائة تقريباً.
وتعتبر المملكة العربية السعودية أكبر دولة في العالم تنفذ مشاريع تحلية المياه المالحة، ونجحت وزارة المياه والكهرباء والمؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة في تصميم وتنفيذ المشاريع والبرامج اللازمة لتوفير المياه والكهرباء في السوق السعودية بشكل يبعد مجتمعات المملكة عن الاكتواء بأوار شح المياه ونقص الكهرباء.
ولعل آخر المشاريع وليس آخرها هو مشروع محطة التحلية ومحطة القوى الكهربائية في رأس الزور، وتنتج المحطة 1.025.000 متر مكعب من المياه يومياً، وتقدر التكلفة الإجمالية للمشروع بنحو 6.617.767.500 مليار ريال وتنتج محطة القوى الكهربائية 2400 ميجاوات، ومن المنطقة الشرقية إلى الجنوب، حيث وقعت المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة مشروع نقل مياه الطائف الباحة بتكاليف بلغت 892.500.000 ريال.
بداية يجب أن نعترف بأن مشكلة نقص المياه هي مشكلة عالمية، وأن بعض أنهار العالم مثل النيل والنهر الأصفر في الصين ونهر كولورادو في أمريكا لم يعد يصل منها إلى البحر إلاّ النذر اليسير، وأن بعضها يتوقف تماماً عن الجريان أكثر من ستة أشهر في العام، وأن بحيرة تشاد قد انخفضت مياهها بنسبة 90 في المائة، وأن بحر الأرال انخفضت مساحته المائية بنسبة 75 في المائة مع أنه كان يعد رابع مسطح مائي عذب في العالم، أمّا بالنسبة لعالمنا العربي فقد أشار تقرير صادر من البنك الدولي إلى أن حصة الفرد من المياه المتجددة قد انخفضت من أربعة آلاف متر مكعب إلى 1100 متر مكعب في الـ 60 عاما الماضية، وأنها ستنخفض بمعدل 50 في المائة بحلول عام 2050 عن مستواها الحالي، وحينما تصل الأمور إلى هذه الحدود فإن العالم ــ كما يتوقعون ــ ستتنازعه الحروب.
أمّا المملكة العربية السعودية فهي من أكثر بلدان العالم شحاً في المياه، حيث لا توجد فيها أنهار أو بحيرات أو ما يسمى بالمياه المتجددة.
وبمقدار ضراوة هذه المشكلة، فإن حكومة المملكة العربية السعودية دفعت بسخاء لتوفير المياه والكهرباء معاً وبأسعار لا تقاوم ولا تزاحم واستطاعت أن تكون قريبة من حل مشاكل شح المياه والكهرباء.
لقد أشارت مجموعة من الدراسات التي نشرت أخيرا عن أزمة المياه في المملكة إلى أن الطلب اليومي على المياه سيرتفع إلى 11 مليوناً، أن الاستثمارات المطلوبة لتوفير المياه ستصل إلى 300 مليار ريال، ولكن في تصريح لؤي المسلم وكيل وزارة المياه والكهرباء للتخطيط والتطوير قال: إن المملكة تعتزم استثمار نحو 60 مليار دولار خلال السنوات الـ 20 المقبلة للوفاء باحتياجاتها من المياه ذلك لأن الطلب ينمو بمعدل 6 في المائة تقريبا سنويا، وأضاف أن القطاعين العام والخاص سيشاركان في تلبية الاحتياجات الاستثمارية، وقال إن نحو 40 مليار دولار تمثل الإنفاق الرأسمالي والباقي يتمثل في نفقات التشغيل والصيانة، وتابع المسلم تصريحه المهم بقوله: إن الطلب على المياه في المملكة يبلغ نحو 5.7 مليون متر مكعب يوميا، ويقدر أن يصل إلى عشرة ملايين متر مكعب يوميا في السنوات الـ 20 المقبلة.
من ناحية ثانية، فإن بعض المراقبين يربطون ارتفاع أسعار السلع والخدمات التي تجتاح أسواق العالم بأزمة المياه، ويقولون إن شح المياه يهدد الأمن الغذائي في العالم، وإن كمية المياه المتوافرة للزراعة غير كافية لزيادة الإنتاج الزراعي لمواجهة الزيادة في الطلب على الغذاء الذي أصبح جزءا كبيرا منه يســتخدم للبحث عن مصادر جديدة للطاقة، بل يربط البعض مستقبل منطقة الشرق الأوسط بتوفير المياه لكل الدول، وإلا فإن شح المياه سيكون سببا كافيا ــ كما أشرنا ــ لاندلاع الحروب في منطقة تعاني كل المشكلات السياسية والاقتصادية والثقافية، ويأتي على رأس المشكلات مشـكلة شــح المياه.
إن الحلول التقليدية لمثل هذه المشاريع لم يعد لها مكان في منظومة الحلول الذكية التي تعتمد على الابتكار في حل المشاكل العاتية، وهو ما تأخذ به وزارة المياه والكهرباء والمؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة، ونؤكد أن التجديد والابتكار هما الحل لمعضلات الحياة المعاصرة، بل هما المحرك الأساسي الذي يدفع الأمم إلى حل مشاكلها والمضي قدماً على طريق التقدم والازدهار، ولذلك فإن الوزارة والمؤسسة يجب أن يخطوا بخطى حثيثة نحو بناء اقتصاديات تزدهر فيها الأفكار وتترجم إلى استراتيجيات شاملة تنقلنا من اقتصاديات قائمة على الموارد الاقتصادية التقليدية .. إلى اقتصاديات تقوم على اقتصاديات المعرفة.
وإذا كانت الموارد المائية واحدة من أهم الموارد الاقتصادية الوطنية، فإن عمليات الابتكار في مجالاتها المختلفة لن تكون سهلة، بل ستستغرق سنوات طويلة وتحتاج إلى إرادة وتخطيط وإمكانات هائلة.
نعم أتمنى من وزارة المياه والكهرباء والمؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة أن يفتحا مجموعة من القنوات مع مراكز الأبحاث والدراسات، وبالذات مع مؤسسة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، ثم مع مراكز الأبحاث في الجامعات السعودية وأي مؤسسات بحثية عالمية، وأتصور بل أجزم بأن هذه الجهات لديها برامج عن الموارد المائية من خلال مشاريع التجديد والابتكار وتكنولوجيا النانو أو اقتصاديات المعرفة.
ولا شك أن الزيادة في معدل النمو السكاني تقتضى إيجاد سبل جديدة لتقديم خدمات ابتكارية في مجالات مثل المياه والكهرباء، ونضيف إليها الصرف الصحي، ولا سيما إذا عرفنا أن نصيب استهلاك الفرد من المياه ما بين عامي 2003 و2007 في المملكة العربية السعودية هو الأعلى على مستوى العالم، كما أن الزيادة في معدل استهلاك المياه في السعودية خلال العقد القادم سيقترب من الـ 52 في المائة، أي أننا بعد عقد واحد سنحتاج إلى ضعف كمية المياه التي ننتجها حالياً.
ونحن جميعاً ندرك أنه لا تنمية دون كهرباء أو ماء، فالكهرباء ــ على سبيل المثال ــ هي وقود التنمية، والماء هو حياة التنمية، ولا يمكن أن نتصور تنمية واسعة الأرجاء على أرض شاسعة الأنحاء دون توفير الماء والكهرباء.
إنني أغبط قطاعي المياه والكهرباء على الاعتمادات المالية السخية التي رصدت لمشاريعهما، وأتصور أن الظروف الحالية هي ظروف استثنائية ويصعب أن تتكرر في المستقبل، بمعنى يصعب أن تكون بين أيدينا هذه الوفرة المالية، وبالتالي يصعب علينا أن نوفر هذا المال الهائل ونخصصه لقطاعي المياه والكهرباء.
ولذلك يجب أن نستغل هذه الفرصة التي منحها الله سبحانه وتعالى لنا ونخلص في العمل من أجل مستقبل الأجيال القادمة في وطن رؤوم يحب دائماً أن يوفر لأبنائه كل الخير والنجاح.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي