بطيحان .. والتعدي على الأراضي الحكومية
أزعم أن ثمة ظاهرة آخذة في الانتشار والزيادة، هذه الظاهرة هي التعدي على الأراضي الحكومية، ونحن إذا ما تجاوزنا أهل النفوذ ـــ الذين يجب أن يكونوا قدوة حسنة يحتذي بهم الآخرون ـــ فإن الأمر تجاوز حتى إلى صعاليك القوم، وأصبح الواحد منا يعاني الأمرين إذا ما أراد التنزه أو التمتع من شميم عرار نجد.
أقول لصاحبى والعيس تهوى
بنا بين المنيفة، فالضمارِ
تمتعْ من شميم عرار نجدٍ،
فما بعدَ العيشةِ منْ عرارِ
ألا يا حبذا نفحاتُ نجدٍ
وريا روضةٍ غبَّ القطارِ
مسكينٌ أنت يا قيس بن الملوح! إن نفحات نجد وشميم عراره حال دونها بعض من تشربت أنفسهم الجشع، لقد أصبحت الأرض بعدك جزرا متناثرة تفصلها هذه (الشبوك) و(العقوم) الترابية، التي باتت تحاصرنا من كل جانب، بالرغم من أننا نعيش على أرض دولة تعتبر قارة في مساحتها! بل إنني أزعم أننا أصبحنا أكبر دولة مستوردة لـ (الشبوك)! لقد قطعت هذه الشبوك والسدود الترابية أوصالنا! هذا والأرض صحراء قاحلة! فماذا سيصنع بنا هؤلاء لو كانت الأرض غابات ومروجا خضراء! أظن أنهم لن يبقوا لنا إلا مواطئ أقدامنا!
يحدث هذا بالرغم من صراحة الأنظمة في حرمة الأراضي الحكومية وتشديد ولاة الأمر في هذا ـــ ما لم يكن هناك إحياء شرعي قبل عام 1386هـ.
والحقيقة أن لجان إزالة التعديات في المراكز والمحافظات لا ترتقي في مستواها ولا صلاحياتها إلى حجم هذه الظاهرة المتنامية، سيما مع روح (النهابة) لدى بعض المواطنين! وحسبكم أن رئيس إحدى اللجان في إحدى المحافظات بالمرتبة الرابعة!
وفي تقديري يجب أن يكون للبلديات حضور في هذه اللجان ولا يكفي تمثيلها بمندوب فقط، كما أن ثمة ملحظ مهم في هذا الأمر، وهو أن المواطن أو المواطنين الذين يتقدمون بشكوى جراء تعديات البعض، يجب أن يكون دورهم دور المبلغ، وتتولى البلديات بعد ذلك تبني الأمر ثم الإزالة، بمعنى أن تكون هي خصم هذا المتعدي لا المواطنين، وذلك أن الضرر العام متحقق من هذه التعديات، وليس على المواطن متابعة الشكوى التي ربما أوقعت خصومات وطالك شيءٌ من الأذى والتهديد من جرائها، يحدث هذا كله من جراء تقاعس لجان التعديات التي يجب أن يكون دورها وقائيا وعلاجيا في الوقت ذاته! وقائي بأن تراقب هي والبلدية هذه التعديات وتمنعها ابتداءً ـــ وما المبلغ على حدوث هذه التعديات إلا كالمبلغ عن جريمة تحدث يشكر ثم يتولى أهل الاختصاص عملهم ـــ ودورٌ علاجي وذلك بالصرامة في تنفيذ الإزالة.
دعونا نعود لبطيحان هذا الذي يتربع في العنوان أعلاه وهو على وزن فعيلان، وإنما سُمي بطيحان لحبه تملك البطحاء، وهو رمز للتعدي على الأراضي، وكل بطّاحٍ من الناس له يوم بطُوح!
بطيحان هذا تسلل في ليلةٍ ليس فيها قمر وأحدث آبارا يزعم أنه ورثها كابراً عن كابر، مع أن الذي حفرها لم يكن سوى (خان) الأفغاني.
تصدر الأوامر الصريحة بالإزالة من أعلى سلطة إدارية، الأمر تلو الأمر ومع ذلك لا يُنفذ منها شيء. تشهد البلاد العام الماضي غزارة هطول الأمطار وتحدث بعض الكوارث هنا وهناك، وتعلن إمارات المناطق والمحافظات حالة الاستنفار، في هذا الخضم يأتي صاحبنا بطيحان هذا وينشئ سداً ترابياً يمتد عشرات الأمتار ويغلق أحد الأودية ضارباً عرض الحائط بالأنظمة والتعليمات، وفي كل وادٍ بطيحان!
وأخيراً ونحن في قبالة موسم الأمطار هذا نص تعميم الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية، النائب الثاني ذي الرقم 3/2/1095/ن في 11/11/1424هـ في الفقرة الثانية منه إلى ''إزالة كافة التعديات التي تشكل خطورة على المواطنين والمزارع القريبة من مجاري السيول''. كما نص تعميم الأمير متعب بن عبد العزيز وزير الشؤون البلدية والقروية (السابق) رقم 731/6/و ف في 3/1/1425هـ بحصر وإزالة كافة التعديات على الأودية وروافدها لتسهيل مسارات السيول.
فهل يُبطح بطيحان وتنفذ في حقه الأنظمة؟ وهل يرعى الناس حرمة الأراضي الحكومية؟ هذا ما نؤمله.