قراءة إسرائيلية لخسائر أوباما
كما تابعنا حقق الجمهوريون انتصارا كبيرا بانتزاع الأغلبية في مجلس النواب، وإن فشلوا في تحقيق ذلك في مجلس الشيوخ، حيث يتمتع الديمقراطيون بأغلبية بسيطة تجسد الانتصار الجمهوري في 60 مقعدا إضافية، بينما لم يتجاوز طموحهم 39 مقعدا قبل الانتخاب. معنى ذلك أنهم نجحوا في اختراق ثقوب منافسهم، والسبب الأعظم سوء الأوضاع الاقتصادية.
وحصول الجمهوريين على 237 مقعدا في مجلس النواب من إجمالي 435 مقعدا يعني ببساطة أنهم سينجحون في عرقلة كل مشاريع القوانين التي يعتزم أوباما سنّها، وأهمها ملفات الطاقة والهجرة والنفقات الحكومية والتغيرات المناخية.
وحسب العنوان الذي اخترناه لهذا المقال، فإننا سنتوقف أمام القراءة الإسرائيلية لهذه الانتخابات. جاء أول تعليق من إسرائيل يقول إن الغائب الأعظم كان السياسة الخارجية وإسرائيل. وقد لاحظت وسائل الإعلام الإسرائيلية غيابا شبه كامل عن ذكر الشرق الأوسط والفلسطينيين وإسرائيل، وهو ما يؤكد حقيقة يأبى البعض التسليم بها، وهي أن الانتخابات الأمريكية على امتداد حدوثها هي عملية محلية داخلية. فالناخب يضع رخاءه أو شقاءه على المحك ويختار من يعتقد أنه سيحسن أحواله. وفي مجتمع يعلن صراحة أنه يعبد الدولار ويقول دائما ''من أجل دولار إضافي أغير عملي من الساحل الشرقي إلى الساحل الغربي''. For one dollar more I change my work from east to west.
لقد كانت الانتخابات رسالة موجعة إلى أوباما بأن الأمريكيين يرفضون برنامجه الداخلي الذي يتضمن برامج الرعاية الصحية، وبرامج الإنعاش الاقتصادي وبرامجه لتقنين النفقات الحكومية، لقد أعلن الأمريكيون أنهم يريدون ضرائب أقل وتدخلا حكوميا أقل، ولا دخل إطلاقا لأي قضايا خارجية، كما يروق لكثير من إعلاميينا أن يفترضوا.
انطلق اليهود من الآن يتحدثون عن الانتخابات الرئاسية القادمة في 2012، وعن دور جماعات الضغط ومجموعات التبرعات للحزب الديمقراطي في حالة تشدد أوباما مع إسرائيل والضغط عليها لتقديم تنازلات للفلسطينيين، وتتوقع مصادر إعلامية إسرائيلية أن أوباما استوعب الدرس، ومن الآن فصاعدا لن يحاول الضغط على إسرائيل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه عندما تبدأ الانتخابات الرئاسية. وتقول المصادر نفسها إن أوباما سيتوقف عن تدليل الفلسطينيين؛ حتى لا يفقد التأييد اليهودي، وكما هو معروف، فإن آلة الإعلام الإسرائيلية والصهيونية عامة، تمتطي صهوة المناسبات لتحقيق أكبر قدر من المكاسب.
ويرى إعلاميون إسرائيليون آخرون أن اقتناع أوباما بالعديد من أساسيات القضية يجعله رغم كل شيء ورغم الهزائم الانتخابية يصر على ما يعتقد أنه الصواب؛ ولذلك فإن الصورة النهائية التي تبلورت في ذهنه عن الصراع، ستبقى، ورغم وجود نوع من التحول لمصلحة إسرائيل في الآونة الأخيرة، إلا أنه من الصعب القول إن هناك تحولا استراتيجيا في رؤيته للصراع أو تصوره للحلول. وليس من المتوقع ـــ في رأي هذا الفريق أن يحدث التغير على المدى القريب.
وأبرز المناطق التي يعنيها هؤلاء هي:
1 ـــ الوقوف ضد سياسة الاستيطان الإسرائيلية واستمرار إسرائيل في بناء المستوطنات.
2 ـــ العمل على إنجاز مشروع الدولتين.
والسبب في عدم تحول أوباما عن أفكاره في أعقاب هزيمة التجديد النصفي في مجلس النواب، يرجع إلى اقتناع أوباما تماما بأن الناخبين لم يدر بخلدهم أي شيء يتعلق بسياسته الخارجية، وهو يعي تماما أن الناخبين لم يفكروا إلا في الأمور المحلية.
عدد من وسائل الإعلام الإسرائيلية ركزت على فكرة أن الهزيمة صنعت تعاطفا بين أوباما ونتنياهو، ذلك أن غضب أوباما على رئيس الوزراء الإسرائيلي كان يرجع عادة إلى ما يكرره من أن نتنياهو يلجأ إلى الأعذار المحلية دائما لتبرير سلبيته وعدم قبوله أفكارا جديدة وهروبه من المواجهات التي تتطلب اتخاذ قرارات بناءة. أدى ذلك إلى حالة من الإحباط والغضب ضد نتنياهو فترة طويلة، لكن يبدو أن اللطمة التي تلقاها أوباما لأسباب محلية فتحت الباب لتفهم حرج وحساسية موقف نتنياهو. ويقول هذا الفريق إن أوباما وفريق الشرق الأوسط الذي يساعده أدركوا أن نتنياهو يعاني ضغوط حكومته الائتلافية التي لا يتفق معظم أعضائها مع رئيس الوزراء؛ ما يعني أن الرجل في موقف ضعيف، بحيث لا يستطيع الابتعاد عما يوافق عليه أعضاء حكومته الائتلافية؛ لأن ذلك قد يؤدي إلى تصدع الحكومة، وربما فقدان نتنياهو منصبه كرئيس للوزراء. لكن أوباما رغم كل شيء ما زال يصر على أن عمل القائد أن يقود مهما كان الثمن غاليا. وهذا يعني أن الصراع أصبح مشتعلا لدى أوباما نفسه، فهو إما أن يضع الحسابات المحلية والداخلية على قمة اهتماماته وإما أن يواجه الفشل في الانتخابات القادمة.
ويضرب الإسرائيليون المثل ببيل كلينتون 1994، الذي واجه كارثة انتخابية في التجديد النصفي، لكنه نجح في تعديل سياساته واتجه إلى حيث يريد الناخبون، ما جعله يربح الانتخابات التالية.
قصارى القول إن الإسرائيليين وتوابعهم من الإعلاميين داخليا وخارجيا يراهنون على تعديل جوهري في سياسات أوباما بسبب الصدمة التي تلقاها والتي ستجعله أكثر تعاطفا مع إسرائيل، غير أن هناك من يردون عليهم بالقول إن نيكسون وريجان وكلينتون تعرضوا للمشكلة نفسها، ومع ذلك كسبوا الانتخابات التالية، والوحيد الذي نجا من عقوبة الشعب الأمريكي لرؤسائه (وهي شبه عادة مستمرة) هو جورج دبليو بوش، ربما بسبب أحداث سبتمبر التي أكسبته شعبية لا تستقيم مع إمكاناته المحدودة.
لكن أوباما أمامه طرق عديدة، أبرزها التقارب مع الجمهوريين والوصول إلى حلول وسط في المسائل الداخلية الكبرى، لأنه إن لم يفعل ذلك سيجد أنه يقود إدارة مشلولة. ويرى الإسرائيليون أن الشماتة في أوباما لا محل لها؛ لأن ما حدث لم يكن تقييما لسياساته الخارجية، حيث لم يأت ذكر لأفغانستان أو العراق أو إيران أو قضية الصراع العربي ـــ الإسرائيلي.
وثمة موضوع على درجة كبيرة من الأهمية بالنسبة إلى الإسرائيليين، وهو أن معظم القضايا الخاصة بإسرائيل والشرق الأوسط لا تتطلب تدخل الكونجرس بمجلسيه؛ ولذلك فإن أوباما وإدارته سيظلان القوة المهمة التي ينبغي لإسرائيل احترامها والحذر من الوقوع في فخ استفزازها، ويبقى أوباما بصفته القائد الأعلى صاحب قرار الحرب أو أية قضايا تتعلق بالأمن والسياسة الخارجية. وهناك نقطة لم يسعد لها الإسرائيليون، وهي أن مجموعة الشاي التي تعتبر ورقة قوة في تسيير الولايات المتحدة غير مهتمة بالأمور الخارجية، لكنها تركز فقط على الشأن المحلي.