مكتب خاص .. وسكرتيرة

من ضمن التقاليد والأعراف الحالية للتقدم بطلب عمل لدى جهة معينة أن يتم إرسال السيرة الذاتية التي تعبر عن إمكانات وكفاءات المتقدمين. ويبدو أن هناك كثيرا من المدارس في طريقة كتابة السير الذاتية وإن كانت الأغلبية تجمع على ضرورة توافر صفة الإقناع, عند كتابة تلك الرسائل. بيد أن مصطلح إقناع, يتحمل أكثر من وجهة نظر ـــ ولو أن الأغلبية تميل إلى وجوب تكثيف المعلومات والخبرات وتدعيمها بالصور والشهادات وتجميلها إلى أبعد الحدود. وقلما نجد من يتبنى البساطة في التعريف عن نفسه وماذا يجيد من أعمال وكيف يفيد الآخرين بكفاءاته. من الشائع في أوساط الأدب والكتابة أنه ليس من السهل خداع القارئ مهما كان ذكاء الكاتب, ولذلك عادة ما تفضح كثرة المعلومات الواردة في السير الذاتية خوف المتقدم من إلا يكون كفؤا، وبالتالي فهو يستعين بكثير من الإضافات والتواريخ والصور والتقارير التي تزيد من حدة التشويش لمن يقرأها، وتبين محاولات المتقدم في استجداء الإقناع كما يحصل عندما يصرخ الأطفال للفت الانتباه.
قبل نحو أربع سنوات تقدم أحد المذيعين باستقالته من المحطة التي يعمل فيها, قاصدا عملا آخر في وطنه الأم, وكما هو معتاد في تلك المناسبات أن يرسل عبر الإيميل رسالة شكر لزملائه في العمل الذين قضى معهم سنوات.
لكن زملاء العمل فوجئوا من طول الرسالة التي جاءت في أكثر من صفحة, وابتدأت بشرح مفصل عن مدى كفاءته الإذاعية وعن أعداد الجمهور والمعجبين الذين تابعوا نشراته وصولا إلى استعراض ممل لأسماء عديد من الشخصيات التي استقبلها في برامجه, إضافة إلى تعريف إنجازات بعضهم وتعداد شركاته وأمواله. طبعا الجميع تابع السرد الطويل مقتنعا أن هناك مغزى أو مزحة وراء الموضوع. بينما احتوت الصفحة التالية تفاصيل العمل الجديد الذي سيشغله, وهو أن يكون المسؤول الإعلامي لرئيس أحد المصارف العربية, مزودا بمكتب خاص وسكرتيرة. وتكررت الأسطوانة بنشرة مفصلة عن البنك وفروعه ورأسماله وأهميته لحياة الناس وشخصية رئيسه الفذة وحنكته في إدارة الأعمال, إلى آخر ديباجة نشرات العلاقات العامة. وفي ختام الرسالة أفرد سطرا يتيما لشكر زملائه, الذين استشعر البعض منهم بعض الحسد من تلك الفرصة الذهبية التي لا ينالها إلا سعداء الحظ. بيد أن الأغلبية منهم لم يمنعوا أنفسهم من أن يتهامسوا باستغراب عن تواضع ذلك الشخص المتمتع بكل تلك الكفاءات التي ذكرها وقبوله ذلك المنصب بدلا من أن يكون أقله, نائبا للرئيس.
اللافت في الموضوع أن أحد زملاء العمل توجه للبنك المعني لإجراء مقابلة مع رئيسه, وفوجئ بأن زميله السابق لا يستطيع أن يتجاوز سكرتيرة رئيس البنك في أخذ المواعيد. وأنها هي الوحيدة المخولة بإرسال المعلومات إلى القسم الإعلامي الذي يتألف من عدة أشخاص يشتركون في مكتب واحد.

مثل إفريقي:
"كثرة الزينة ما هي إلا تعبير عن الجوع"

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي