متى يصبح المستشفى الحكومي خيارنا الأول؟

من حق المريض أن يجد علاجا وتقدم له الخدمة الصحية اللازمة بسرعة وجودة وعناية, فعلاج المرض, خاصة إذا كان يهدد حياة الإنسان أو يسبب له معاناة وقد يؤدي إهماله إلى مضاعفات قد تعرض المريض لإعاقة تصبح مزمنة, واجب إنساني قبل أن يكون حقا له كمواطن, وتوفير الخدمة العلاجية وجعلها في متناول الجميع وفي الزمان والمكان المناسبين, ضرورة وواجب وإلزام, ويصبح ذلك أكثر حينما تكون الحالة المرضية من النوع الصعب, التي تحتاج إلى تدخل علاجي سريع وفاعل.
على خلفية ذلك لا يمكن فهم وتقبل ما يقرأ في الصحف من عديد النداءات والتوسلات للمرضى بأمراض عضال استعصى عليهم العلاج لمحبي الخير بمد يد المساعدة لهم بالتكفل بعلاجهم مما يعانونه من أمراض تقعدهم وتؤلمهم, أو ما ينشر من معاناة مرضى وذويهم من الإهمال وقلة العناية, مما تسبب بارتكاب أخطاء علاجية أدت إلى تعرض المريض لمضاعفات خطرة على حياته, وحين نقرأ مثل هذه الوقائع المرة, نتساءل بصيغة الاستفسار وليس الاتهام: ماذا تفعل مستشفياتنا الحكومية المكلفة بتوفير العلاج لكل من يحتاج إليه مجانا إن لم تحتضن مثل هؤلاء المرضى الأكثر حاجة إليه وتكفيهم مؤونة وذل السؤال؟ وكيف يحدث إهمال ونقص في كم العلاج وجودته في ظل ما يصرف على القطاع الصحي من مليارات الريالات؟
حينما تنتقد خدمات كالخدمة الصحية, لا يعني ذلك النظر إلى الأمور بنظارة سوداء لا ترى الإيجابيات, أو تنفي الجهود التي تبذل لتحسينها ومعالجة نقصها, فكثير من ذلك النقص والقصور يكون نتيجة تراكم السلبيات, التي تتسبب في تأخير عملية الإصلاح والتطوير والمعالجة الجذرية, وهذا يحتاج إلى وقت, ومع التقدير الكامل للصعوبات التي يعانيها القطاع الصحي, وجعلته غير قادر على تقديم الخدمة العلاجية الكافية, إلا أن من يعاني المرض لا يفهم إلا شيئا واحدا وهو أن يتلقى خدمة علاجية تخفف عنه أوجاعه وتكون سببا, بعد مشيئة الله, في عدم تعرض حياته للخطر.
يمكن إجمال النقص في الخدمة الطبية في عدة مظاهر, أولها تركز المراكز العلاجية الأساسية للأمراض المستعصية في مواقع رئيسة, بينما المملكة تعتبر قارة يصعب نقل كل مريض خارجها في حالة إسعافية إليها, وثانيها المدة الزمنية الطويلة للحصول على موعد مع الطبيب المختص حتى لمن كانت حالته المرضية تستدعي المعالجة الفورية, وثالثها ليس هناك أدنى شك في تطور المعالجة الطبية لدينا, لكن المشكلة في عدم قدرتها على استيعاب كم الحالات المرضية, ورابعها قلة نسبة الأسرة المتوافرة في المستشفيات, فلكل ألف مواطن لا يتوافر إلا 2.5 سرير, وهذه نسبة متدنية جدا, وهذا ما تنبه له معالي وزير الصحة حينما كان أول تصريح له بعد توليه الوزارة بأن من أولى مهامه توفير سرير لكل مريض, والمرضى يعذرونه إن لم يف بوعده على المدى القصير لمعرفة صعوبة تحقيق هذا الهدف دفعة واحدة, لكن لا يعذرونه في عدم توافر المعالجة السريعة والجيدة لكل حالة مرضية إسعافية على الأقل, فما زال مرضى القلب والجلطات والأمراض الصعبة الأخرى يعانون للحصول على علاج في المستشفيات الحكومية, بسبب النقص في الكوادر الطبية والمكان والتجهيزات, وهو ما يدفع المضطر إما إلى توسل أصحاب الخير, وإما الذهاب إلى المستشفيات الخاصة, وما أدراك ما المستشفيات الخاصة, حيث يصبح علاج ''الكحة'' مثلا مشروعا استثماريا وليس خدمة طبية.
ما نريد الوصول إليه هنا وعلى وقع ما وفرته الميزانية الجديدة (30 مليارا للقطاع الصحي), ووجود وزير يعي لب المشكلة, واهتمام من الدولة بالقطاع الصحي, وتوافر إمكانات التطور الصحي إن من حيث الأطباء السعوديون المتميزون ومثالهم الوزير ذاته أو المراكز الطبية المتقدمة, أن يجد المريض في أي مكان وزمان معالجة سريعة ومتكاملة, وأن يصبح المستشفى الحكومي وجودة علاجه وخدماته خياره الأول.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي