الصوت الذي يخترق المساجد

نحتاج في حياتنا إلى أن ننفض غبار كثير من أساليبنا في التعامل مع الآخرين عندما يتضح لنا اعوجاجها أو عدم تناسبها وقصورها في الوصول إلى قلوب الناس، فليس من المعقول أن نصر عليها ونتخذها نهجا مسلما به، والشواهد كثيرة في حياتنا فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد أن المعلم المتقن لعمله من الصعب أن يكون ناجحا ما لم يستطع أن يوصل المعلومات للطلاب، وما لم يكن هؤلاء الطلاب يقدرونه ويرتاحون إليه، فمهما كان الأسلوب متشبعا بالمهارة تبقى حبيسة إذا لم يتقن إيصال المعلومة بالطريقة التي يرتاح إليها المتلقون، فهو إذا في أمس الحاجة أن يطعم درسه بطرفة يلقيها على طلابه لتبدد مخاوفهم أو تقديم أسلوب التحفيز التشجيعي ليرتفع بمستوى التنافس بينهم.
كما أن الداعية إلى الله بحاجة إلى القدرة على التعامل مع المدعوين وطرح ما يريد دون الحاجة إلى التكرار الممل والجفوة في الأسلوب، فرب ابتسامة غيرت مجرى حياة شاب أو شخص غير مسلم تأثر بها فنشأت علاقة انتهت بإسلامه، فمتى شعر المتلقي أن الداعية يحبه ويحب له الخير فسيكون أول من يبادر إلى القبول منه، أما إذا كان العكس فلن يقبل منه ولو أيقن أن عنده الخير كله.
إن حسن التعامل مع الناس والرفق بهم أمر مهم بمصداق كلام خير البرية ـــ صلى الله عليه وسلم ــــ يقول: "ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه"، أو كما قال ــــ صلى الله عليه وسلم.

مشهد آخر
ومن هذين المظهرين أنتقل لنقل نموذج واقعي حدث في مسجد وتحدث مثله ربما نماذج أخرى، فقد اجتمع الناس فيه لأداء الصلاة فيه، الأمام يكبر ويبدأ في القراءة ووسط هذا الموقف الإيماني ينطلق صوت ليس غريبا علينا سماعه، فقد اعتاد الناس على سماعه في كل صلاة لكنه يجد امتعاضا منهم، وما هذا الصوت المزعج الذي سبب التضايق لدى الناس إلا نغمة مصدرها الجوال الذي يدخل المساجد بلا استئذان رغم شكوى بعض الناس منه، ويزداد ذلك الصوت ارتفاعا ويستمر الإمام في الصلاة وما زال الصوت يواصل الصدور حتى أنهى الإمام صلاته فما كان منه إلا أن تناول الميكرفون وبدأ في توجيه النصيحة والتذكير بما يتواكب مع مقام المسجد وحرمته وما يحدثه الجوال من أذى حتى أصبح بعبعا يخيف الناس، وما إن انتهى من موعظته حتى ينطلق صوت الجوال مرة ولكن هذه المرة من جوال الإمام الذي أسقط في يده فلم يكن يتوقع الموقف، فخرج فجأة تاركا المسجد مع تبريرات خيرة لموقفه من المصلين، في مثل هذا الموقف فيما لو أن الإمام كان حكيما ما تعرض للموعظة في نفس الوقت الذي صدر فيه صوت الجوال، بل يتحين فرصة أخرى تكون مناسبة ويكون متأهبا مغلقا جوالاته دون أن يقع في هذا الحرج، وربما أن هذا الشخص الذي صدر منه الصوت كان مرتبكا لا يعرف كيف يتصرف مع نغمة الجوال.
إن مواقف الناس وتغير نمط سلوكهم وأساليبهم الحياتية تتأثر سلبا وإيجابا بما يحدث منهم من تصرفات تفسر حسب رؤية من يشاهدها سلبا أو إيجابا، فلا تبقى إلا السيرة الطيبة والجهد المبارك، والتصرف الحكيم، وهذا ينطبق على غيرهم ممن يحتاجون إلى مثل هذه الوقفات لإصلاح ما قد يقع من أخطاء منهم ويكفل تغيرا إيجابيا ينصب في مصلحة كل من يتولى مسؤولية في أي من المجالات الحياتية ما يعطي انطباعا طيبا هم في أمس الحاجة إليه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي