التحرُّش الجنسي
1 ـــ التحرش الجنسي سيئ السمعة والفعل معا، وهو سلوك شاذ يواجه في المجتمعات الغربية وخصوصا في المجتمع الأمريكي، والذي يراه البعض قدوة ونموذجا يجب أن يحتذى حذو القذة بالقذة، بأقصى العقوبات وأشدها، هذا يحدث في المجتمعات التي يراها البعض منا ''منحلة'' وتنتشر فيها علنا بارات الخمور وبيوت الدعارة والمراقص والعلاقة الجنسية خارج إطار الزوجية وحتى الشذوذ، مما يرونه ''حرية وحقوقا'' شخصية، ولكن حين يصل الأمر لتحرش رجل بامرأة يصبح جريمة يعاقب عليها القانون.
تعالوا لنرى صورة التحرش الجنسي في مجتمعنا المسلم المحافظ والخالي من المواخير المنتشرة في المجتمعات الأخرى، ومن صوره الشائعة لدينا الغزل والترقيم وما يعرف بـ ''المواكب'' حين تحاصر سيارات الشباب سيارة فيها نساء وتطاردها في الشوارع، لا توجد هناك قوانين وأنظمة واضحة وصارمة لمواجهة هذا الصنف من التحرش الجنسي، وحين تحتسب جهة دينية لمنعه تتعالى الأصوات المنكرة والمنددة والمتهمة لهذه الجهات الدينية، وعلى رأسها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بالتشدد والحجر على الحريات عندما تتدخل لحماية الأخلاق والقيم من السلوكيات البذيئة من بعض الشباب المنفلت والذي نراه يسرح ويمرح في الأسواق والأماكن العامة وهو يتحرش بالنساء جهارا عيانا بالغزل الفاضح والجارح.
2 ـــ حين تتخذ بعض الأسواق قرارا بمنع دخول الشباب يدرك القائمون عليها بأنهم يأتون لممارسة التحرش بالأسر، تقوم قائمة المدافعين عما يسمونه بالحريات الشخصية واصفين ذلك بالتخلف، وإذا تدخل مثلا رجال الهيئة لحماية القيم والأخلاق العامة، نلصق بهم أوصاف الهمجية والتعسف وتنسج حولهم قصص وروايات مرعبة، ويتهمون بمصادرة الحريات الشخصية واستفزاز الشباب الذين لا يرون في سلوكياتهم المشينة تلك استفزازا لقيمنا وأخلاقنا، مما يجعلهم يظهرون بمظهر المدافع عن التحرش ويتهمون منعه بالحجر على الشباب وكبتهم..!!
من يبرر تصرفات ''المغازلجية'' من الشباب يقول إن ما يدفعهم لهذا السلوك هو عدم وجود بدائل ترفيه لهم، ويؤكدون بأن الحل ليس في الحجر على الشباب، وهذا تبرير ينفيه الواقع، فالتحرش سلوك شاذ بدافع غريزي موجود في كل المجتمعات المنفتحة والمحافظة معا، فإسبانيا مثلا، وهي دولة أوروبية، يتعرض فيها مليون و310 نساء سنويا من أصل ثمانية ملايين للتحرش الجنسي، وهي بلد ليس فيه حجر على الشباب، بينما في المملكة أحصت إحصائية بأنه في عام 1424هـ ضبط 1012 في قضية معاكسات منهم 104 أحداث، وهذا الرقم لا يمثل الأرقام الحقيقية، حيث إن معظم من يتم التحرش بهن لا يبلّغن خوفا من الفضيحة.
3 ـــ كثيرون ـــ وأنا منهم ـــ لا نرى الحل في منع الشباب من ارتياد الأسواق والأماكن العامة، فهذا يزيد المشكلة تعقيدا ويدفع بالشباب للشعور بأنهم منبوذون من مجتمعهم، وهذا أخطر، الحل الذي يجمع عليه هو في سنّ قوانين وأنظمة تجرّم كل أشكال التحرش الجنسي ومن الجنسين، حيث إن بعض الفتيات يمارسنه على الأقل بعرض مفاتنهن أمام شباب مستعد للافتتان، وتطبق على كل من يفعله بلا استثناء ولا تفريق وتهاون، وهناك كما أظن مشروع نظام بُحِثَ في مجلس الشورى مع وزارة العمل، ولا أدري هل تم إقراره أم لا، ويقترح عقوبة سجن ما بين ستة أشهر وثلاث سنوات وغرامة مالية ما بين عشرين وخمسين ألف ريال.
هناك عقوبة أخرى يمكن أن تضاف أو يكتفى بها حسب الحالة، وهي خدمة اجتماعية عامة على المتحرش لمدة كافية تشعره بالعقوبة، وسواء كانت هذه أو تلك، فنحن في حاجة ماسة لمثل هذا النظام خصوصا ونحن بلد مسلم ومجتمع محافظ يستغرب فعلا عدم وجوده مثل بلاد أخرى، كما أنه سبب في جعل الاجتهاد يجد اختلافا في الرأي حوله.