مكافحة الفساد من أهم مقومات الحياة المستقيمة «2»

الحمد لله القائل في محكم الكتاب الكريم: «وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد» (البقرة ـ 205)، والصلاة والسلام على محمد بن عبد الله المحارب للفساد والداعي للصلاح، وبعد، نواصل في هذا المقال الثاني استعراض جانب من الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، فبعد المقدمة والمنطلقات نأتي حسب السياق إلى الأهداف على النحو التالي:

ثالثاً الأهداف
كان من الضروري في الصياغة أن تُبرز الأهداف العامة من الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد لكونها الغاية والهدف الأساسي، وهي كما يلي:
(1 ـــ حماية النزاهة ومكافحة الفساد بشتى صوره ومظاهره)، فالهدف الأول للاستراتيجية هو الحماية الحقيقية للنزاهة من خلال تشجيع كل عمل وتصرف نزيه مستقيم، وفي الوقت نفسه مكافحة كل عمل وتصرف فاسد بشتى الصور والمظاهر والأشكال، التي تزاول بها الأعمال والتصرفات المحرمة، فالحماية للنزاهة أمر أساس بالتشجيع والتكريم والإشادة، ونعرف أن هناك أشخاصاً رفضوا الرشوة وبلغوا عن مرتكبيها، ومثل هؤلاء نجدهم ـ بتلقائية ذاتية ـ رفضوا الانسياق إلى عمل وتصرف محرم ديانة ونظاماً، ولم تغرهم المادة الفانية، فبادر ولاة الأمر ـ حفظهم الله ـ بتكريمهم والإشادة بمواقفهم النزيهة، بل إن أفراد المجتمع الذين يتحلون بالنزاهة أشادوا بهم بالحديث عنهم في مجالسهم، بعكس الأفراد المتربصين الذين يتحينون الفرص للإفساد لقاء مال حرام، كفانا الله شرهم، ولا يستغرب هذا التضاد والتلازم بين النزاهة والفساد لأنه صراع بين الخير والشر.
(2 ـــ تحصين المجتمع السعودي ضد الفساد، بالقيم الدينية والأخلاقية، والتربوية)، فالإنسان معرض للإغراءات المادية الزائفة الفانية، وحب الثراء بطرق غير مشروعة، ولا يمكن حمايته من ذلك إلا بالتحصين ضد المكاسب غير المشروعة عن طريق الحث على القيم الدينية والأخلاقية بالتربية الواعية، والدعوة إلى المسالك الحميدة، فالإنسان متى كان متديناً حقاً وحقيقة (لا مظهراً)، فإنه سيتحلى بالأخلاق الحميدة والمثل العليا ـ تلقائياً ـ في كل عمل وتصرف يقوم به في حياته العامة والخاصة، متجنباً كل عمل وتصرف مشين، فلا يحتاج إلى رقابة، فالتربية من الصغر على ذلك أمر مهم، لأن الإنسان يولد على الفطرة، فإذا لم يحصن من البداية يكون عرضة للانحراف والفساد، لذا نجد أن الاستراتيجية جعلت التحصين له من الأهداف, لأن الوقاية خير من العلاج.
(3 ـــ توجيه المواطن والمقيم نحو التحلي بالسلوك السليم واحترام النصوص الشرعية والنظامية)، وعلى افتراض أن مواطناً أو مقيماً لم يكن له حظ وافر من التربية على المثل الدينية والتخلق بالأخلاق الحميدة، فإن هذا عرضة للانحراف والفساد أمام مغريات المادة في أي عمل وتصرف يقوم به، ولهذا كان لزاماً أن يُجعل من أهداف الاستراتيجية الحرص الشديد على توجيه المواطن والمقيم على التحلي بالسلوك القويم عن طريق توعيته وتعريفه بالنصوص الشرعية والنظامية، والتأكيد عليه بعدم مخالفتها، والعمل بموجبها في كل عمل وتصرف حتى لا يكون هناك مجال للاحتجاج بعدم العلم بالنصوص، وهذا كقاعدة عامة، إذ لا يقبل الاحتجاج بالجهل بالنصوص الشرعية والنظامية عند ارتكاب جريمة من جرائم الفساد لأنها تعلن للعامة.
(4 ـــ توفير المناخ الملائم لنجاح خطط التنمية، ولا سيما الاقتصادية والاجتماعية منها)، ومن الأهمية بمكان ضرورة تهيئة المناخ والظروف المناسبة التي تكفل النجاح لخطط التنمية، وبالذات الاقتصادية والاجتماعية من حيث وضع الضوابط المُحكمة والقواعد التنظيمية الواضحة للتنفيذ، والعمل بموجبها، والتوزيع العادل، والحث على سرعة التنفيذ وفق شروط ومواصفات فنية عالية الجودة ليكون الإتقان في العمل، وهذا يتأتى بإيجاد تنافس لعمليات التنفيذ التي تتسم بالمساواة، والعدل لاختيار أفضل العطاءات المقدمة، ويستتبع هذا المراقبة الدقيقة الحازمة والمحاسبة على كل مخالفة تُرتكب وتنحرف عن الطريق القويم.
(5 ـــ الإسهام في الجهود المبذولة لتعزيز وتطوير وتوثيق التعاون الإقليمي والعربي والدولي في مجال حماية النزاهة ومكافحة الفساد)، لقد نُص في البند (أولا) فقرة 6 من (المنطلقات) على تعزيز التعاون بين الدول لمكافحة جرائم الفساد، خاصة المنظمة عبر الحدود الوطنية، وذلك لخطورتها، وما يترتب عليها من ضعضعة للأمن والاستقرار في الدول، وطبيعياً أن يُنص في أهداف الاستراتيجية على أهمية الإسهام الجاد والحقيقي في كل الجهود التي تبذل من أجل تعزيز وتطوير وتوثيق التعاون الإقليمي والعربي والدولي بغية ترسيخ حماية النزاهة، وبالتالي مكافحة الفساد، والقضاء على كل مسبباته ونتائجه الضارة الوخيمة.
(6 ـــ تحقيق العدالة بين أفراد المجتمع)، وتحقيق العدالة بين أفراد المجتمع يُعد هدفا أساسيا ومهما بوصفه محصلة الأهداف السابقة، وذلك لأن عدم تحقق العدالة بين أفراد المجتمع هو الفساد بعينه، لما يترتب عليه من ظلم جائر وصلف يولد الحقد والضغينة والبغضاء وحب الانتقام من المتسبب بشكل مباشرأو غير مباشر، وهذا يؤدي إلى الشقاق والتنافر والتناحر، فتكون المنازعات والخصومات والمشكلات التي تخل بالأمن والاستقرار والسكينة، فيعيش المجتمع في جو من الاضطرابات والترويع والبلبلة والغوغائية المقيتة، وغير ذلك من المشكلات، ولذلك فإن هذا الهدف النبيل (العدل) قد نص عليه في التشريعات السماوية والوضعية، فهناك آيات كريمات كثيرة ورد فيها الحث على العدل، وأكتفي بذكر آيتين .. قولة تعالى: «إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعاً بصيرا» (النساء الآية ـ 58)، وقوله ــ عز من قائل: «إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ...» (النحل ـ من الآية 90).
فتحقيق هذه الأهداف يكفل مكافحة الفساد بكل صوره وأشكاله ومظاهره، ومن ثم تستقيم الحياة العامة بهذه المقومات المهمة، ويعم الأمن والاستقرار والسكينة والهدوء والاستتباب، ومن نتائج ذلك كله الحياة المستقيمة التي يسود فيها الإخاء والتعاون والتآزر بما يحقق المصلحة العامة في المجتمع. وأكتفي بهذا في هذا المقال حتى أتجنب الإطالة، وفي المقال القادم نواصل الكتابة عن البند الثالث (الوسائل)، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل، آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي