مكافحة الفساد من أهم مقومات الحياة المستقيمة (3)
الحمد لله العليم الخبير، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وبعد، تواصلاً مع ما سبق كتابته في المقالين الأول والثاني المنشورين في هذه الصحيفة بتاريخ 13 و20/5/1432هـ الموافق 17 و24/4/2011 على التوالي، أحب في البداية أن أنوه عن خطأ مطبعي، وهو أن الأهداف في البند (ثانياً) من الاستراتيجية وليس (ثالثاً). وبعد هذا التنويه فإنه يسعدني أن أواصل الكتابة عن البند (ثالثاً)، وهي الوسائل التي نص عليها في الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، التي تعتمد على مرتكزات سبعة كل واحد يتم بطرق محددة نُصَّ عليها في عدد من الفقرات، وسأحاول التعليق بإيضاحات وتحليل متواضع أرجو أن تكون مفيدة ونافعة في فهم المقصود من سياقات ما ُدوِّن في كل فقرة باعتبارها طرقاً تنفيذية، وفيما يأتي أبين ما يجود به فكري، والله الموفق:
1 ـــ تشخيص مشكلة الفساد في المملكة عن طريق ما يلي:
أ ـــ تنظيم قاعدة معلومات وطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد تشمل جميع الوثائق النظامية والإدارية، ورصد المعلومات، والبيانات، والإحصاءات الدقيقة عن حجم المشكلة، وتصنيفه، أو تحديد أنواعها، وأسبابها، وآثارها، وأولوياتها، ومدى انتشارها زمنياً ومكانياً واجتماعياً.
الفساد مرض اجتماعي فإذا تفشى في المجتمع، فلا بد قبل المعالجة من تشخيص مشكلة الفساد حتى تسهل المعالجة لكل فساد متى عرفت كل الجوانب عنه لتكون المعالجة ناجحة وشافية، وحددت الاستراتيجية طرقاً عديدة، ففي الفقرة (أ) وضح أن من أهم الطرق إعداد تنظيم لقاعدة معلومات وطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد يعتمد عليها، بحيث تشتمل جميع الوثائق النظامية والإدارية التي تساعد، على تكييف الوقائع الحاصلة تكييفاً صحيحاً، وهذا يتحقق من خلال رصد المعلومات والبيانات الواضحة والإحصاءات الدقيقة عن حجم الفساد مدار البحث، والتصنيف إذا كان ممكناً، أو تحديد أنواعها إذا كان هناك تباين، والأسباب، والآثار المترتبة عليها، وأولوياتها، ومدى انتشارها من النواحي: الزمنية والمكانية والاجتماعية، وفي ضوء ما يظهر جلياً للباحث أو المحقق يمكن إيضاح النتائج النهائية كي يتخذ الإجراء المناسب.
ب ـــ قيام الأجهزة الحكومية المعنية ـــ بحسب اختصاصاتها ـــ بإعداد إحصاءات وتقارير دورية عن مشكلة الفساد، تتضمن بيان حجم المشكلة وأسبابها، وأنواعها، والحلول المقترحة، وتحديد السلبيات والصعوبات التي تواجه تطبيق الأنظمة والإجراءات المتعلقة بحماية النزاهة ومكافحة الفساد.
ومن الطرق ـــ أيضا ـــ كما ذكر في الفقرة، قيام الأجهزة الحكومية المعنية بالرقابة والمتابعة كل حسب اختصاصها بإعداد إحصاءات وتقارير بشكل دوري عن أي مشكلة فساد تتضمن إيضاح حجم المشكلة، وأسبابها، وأنواعها، وطرح الحلول المقترحة، وتحديد السلبيات والصعوبات التي قد تواجه تطبيق الأنظمة، والإجراءات المتعلقة بحماية النزاهة، ومكافحة الفساد بحيث يشجع ويكرم كل من زاول عملاً وتصرفاً نزيها يخدم المصلحة العامة، وتتخذ الإجراءات الجنائية تجاه كل من يُقدم على عمل أو تصرف يخل بالمصلحة العامة باعتباره عملاً وتصرفاً فاسداً.
ج ـــ دعم وإجراء الدراسات والبحوث المتعلقة بموضوع حماية النزاهة ومكافحة الفساد.
مما لا شك فيه أن الدراسات والبحوث المتعلقة بموضوع حماية النزاهة ومكافحة الفساد لها أهمية فائقة جداً، لأنها المرشد والموجه لاتخاذ أفضل الإجراءات لحماية النزاهة من حيث الدعم والتشجيع، وتوفير الحوافز التي يستشعر من خلالها كل من يقوم بعمل وتصرف نافع ومفيد بأنه مقدر ومعزز، وعلى عكس ذلك يبين في الدراسة والبحث ما يمكن اتخاذه من إجراءات جنائية بحق كل من يُقدم على عمل وتصرف منحرف عن الطريق القويم باعتباره عملاً وتصرفاً فاسداً يضر بمصالح المجتمع، وهذا يستدعي الملاحقة والتحقيق لإيضاح جوانب الفساد المُرتكب، والأدلة الثبوتية في حق المتهم، ومن ثم إعداد لائحة الاتهام ضده أمام القضاء المختص.
د ـــ إتاحة المعلومات المتوافرة للراغبين في البحث والدراسة، وحث الجهات الأكاديمية ومراكز البحوث المتخصصة على إجراء مزيد من الدراسات والبحوث في المجال نفسه.
ما جاء في هذه الفقرة مكمل لما ذكر في الفقرة السابقة لها على أساس أهمية إتاحة المعلومات المتوافرة لكل باحث ودارس، فضلاً عن حث الجهات الأكاديمية بمختلف أنواعها، ومراكز البحوث المتخصصة على أن تسهم في إعداد البحوث والدراسات التي تفيد في مجال مكافحة الفساد مع توفير المعلومات لهم.
هـ ـــ رصد ما ينشر في وسائل الإعلام عن موضوع حماية النزاهة ومكافحة الفساد.
في هذه الفقرة وضح فيها أهمية المتابعة عن طريق رصد كل ما ينشر في وسائل الإعلام المختلفة مقروءة ومسموعة ومرئية عن موضوع حماية النزاهة ومكافحة الفساد، وذلك للاستفادة من كل ما يتم نشره في هذه الوسائل باعتبارها الحريصة على المتابعة، لأنها تمثل السلطة الرابعة، ومن ثم تمحيص كل ما يرد بعد التأكد من صحته، وأنه صادر من مصدر موثوق بحياديته، واستقلاليته حتى تتحقق الفائدة من المعلومة الصحيحة.
و ـــ متابعة المستجدات في الموضوع على المستوى المحلي أو الدولي.
وهذه الفقرة الأخيرة من طرق التشخيص تؤكد متابعة المستجدات في مكافحة الفساد محلياً ودولياً من أجل الاستفادة من كل جديد يساعد على مكافحة الفساد الذي تعانيه المجتمعات محلياً وإقليمياً ودولياً، وذلك لأن الفساد يُعد ظاهرة دولية، كما أشير إلى ذلك في مقدمة الاستراتيجية.
2 ـــ قيام الأجهزة الحكومية المعنية بحماية النزاهة ومكافحة الفساد بممارسة اختصاصاتها، وتطبيق الأنظمة المتعلقة بذلك، عن طريق ما يلي:
أ ـــ تزويد الأجهزة الضبطية، والرقابية، والتحقيقية، والقضائية، بالإمكانات المادية، والبشرية، والخبرات، والتدريب، والتقنية، والوسائل العلمية الحديثة، الكافية لتمكينها من أداء مهماتها بفاعلية.
فأول الطرق لتمكين الأجهزة بما يمكنها من ممارسة اختصاصاتها كي تحمي النزاهة، وفي الوقت نفسه تكافح الفساد؛ أن يزود كل جهاز حسب دوره من الضبط، والرقابة والتحقيق والقضاء بكل الإمكانات العديدة المهمة التي ذكرت في الفقرة من أجل تمكين كل جهاز من أداء مهمته باقتدار وفاعلية، إذ من دون ذلك قد يكون الطريق صعباً جداً، لما تحاط به الجريمة ـــ عادة ـــ من سرية وكتمان من قبل مرتكبيها خشية انكشافها.
ب ـــ دراسة أنظمة الأجهزة المختصة بحماية النزاهة ومكافحة الفساد وهياكلها الإدارية وإجراءاتها، مع مراعاة عدم الازدواجية وتنازع الاختصاص فيما بينها، ومنحها القدر اللازم من الاستقلال الإداري والمالي.
ولا شك في أهمية ما ذكر في هذه الفقرة من ضرورة دراسة أنظمة كل جهاز مختص بحماية النزاهة ومكافحة الفساد، وتحديثه بإزالة أي غموض أو تعارض بين النصوص قد تعوق العمل بالنظام، أو تكون سبباً في عدم فاعلية الإجراءات، أو الحد من سلطات أي جهاز، مما يحول دون تمكينه من القيام بواجباته، وكذلك تشمل الدراسة الهياكل الإدارية، وإجراءات كل جهاز بحيث يُقدم لكل من يحتاج الدعم والتسهيلات في الإجراءات، مع الأخذ في الاعتبار تلافي حصول الازدواجية، وما يترتب عليها من نتائج غير مرغوب فيها مثل التنازع في الاختصاص بين الأجهزة، سواء كان إيجابياً بأن يدعي كل جهاز أنه مختص، أو سلبياً بأن يدعي كل جهاز أنه غير مختص، وهذه مشكلة المشكلات التي تعوق العمل والتنفيذ، وكثيراً ما نسمع عن ذلك عند التبليغ عن أي جريمة (جناية أو جنحة أو مخالفة)، ما يؤدي إلى ضياع المسؤولية، وأخيراً لا بد من منح كل جهاز ما يمكنه من أداء واجباته من استقلال إداري تام، ومورد مالي كاف.
ج ـــ قيام الأجهزة الحكومية المعنية ـــ بحسب اختصاصها ـــ بالمراجعة الدورية للأنظمة المتعلقة بمكافحة الفساد، لتحديد الصعوبات التي تظهر لها من خلال التطبيق والدراسة، وإبداء المقترحات لتذليل هذه الصـعوبات، وكذلك لتطوير هذه الأنظمة ورفعها للجهة المختصة للنظر فيها والاستفادة في ذلك مما يستجد.
وهذا النص يؤكد أهمية قيام كل جهاز حكومي معني ومختص بمكافحة الفساد بالمراجعة الدورية للأنظمة الخاصة بمكافحة هذه الجريمة الخطرة من أجل تحديد الصعوبات التي تظهر من خلال التطبيق العملي، وما يتم من دراسة حولها، ومن ثم طرح المقترحات التي تفيد لمعالجة الصعوبات التي تظهر، وليس هذا فحسب، بل ضرورة تطوير الأنظمة بكل جديد، ورفع كل النتائج إلى الجهة المختصة للنظر فيما بدا من صعوبات، ومقترحات لإزالتها، والاستفادة من كل جديد يطرح للتطوير.
ما تقدم مناقشة وتحليل لجانب مما كتب عن الوسائل في الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، وقد رأيت عدم الإطالة في المقال حتى يكون في إمكانية القارئ الكريم قراءة كل المقال، وليس مقتطفات منه فيما لو كان مطولاً، على أن أواصل في مقالات لاحقة استكمال ما تبقى، والله الموفق، والهادي إلى الطريق القويم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.