قصة واصل بن عطاء مع الخوارج

قصة واصل بن عطاء مع الخوارج

<a href="mailto:[email protected]">othaimm@hotmail.com</a>

يروى عن (واصل بن عطاء) أنه كان في قوم على سفر، فإذا بخيول الخوارج تطوقهم، فأثرن بهم نقعا، فوسطن بهم جمعاً، فذعر القوم؛ فقال لهم لا عليكم ودعوا الأمر لي.
فلما اقتربوا صاحوا بهم من القوم؟ أجاب واصل: نحن قوم من المشركين. ولو كان الجواب نحن من المسلمين لقتلوهم. وتابع واصل قد طلبنا إجارتكم. أجاب مقاتلو الخوارج لكم ذلك.
قال واصل ونريد أن تعلموننا مما علمكم الله؟ وكان يريد أن يستشهد بالآية "وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله". قال الخوارج أنتم آمنون، فانطلقوا في حال سبيلكم. قال واصل لا قبل أن تسمعونا كلام الله ثم تبلغوننا مأمننا. وكان يريد تذكيرهم ببقية الآية ثم أبلغه مأمنه؛ فالتفت الخوارج إلى بعضهم وقالوا قد صدقوا، ثم مشوا معهم في حراسة مشددة، طول الطريق مجاناً، حتى وصل عطاء وجماعته بكل دلال حيث يريدون.
وهي قصة لا يكاد يصدقها الإنسان، وردت في كتاب الكامل للمبرد.
وقصة الخوارج تروي أمرين في غاية الخطورة: اجتماع (التقوى) مع (الجهل) والتشدد مع سفك دماء المسلمين في خلطة شديدة التفجير.
وفي الحديث هلك المتنطعون، وإن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى. ويذكر التاريخ أنهم كانوا مقاتلين أشداء، وخرجت منهم فرق في غاية الخطر على الأمة الإسلامية، مثل الأزارقة، لأنهم كانوا يوفرون دماء المشركين، كما وردت في خدعة واصل معهم، ويستبيحون ويسفكون دماء المسلمين.
وكانوا يؤمنون بالخروج المسلح على الحاكم، ولذلك أتعبوا الدولة الأموية فنزفت من جراحهم حتى الموت. ثم سقطت التفاحة الناضجة ليس في يد من تعب لها، أي الخوارج، بل الدهاة السياسيون المنظمون على يد الفرس أي العباسيين.
والذي يدعوني إلى الحديث عن هذه الطائفة، هو مشكلة التطرف والتشدد الذي هو الطرف المقابل للارتخاء والتميع.
وجاء في الحديث ما يصفهم أنهم سيكونون على غاية من العبادة، ولكن بدون فقه. وفي الحديث أن خيار الناس الذين يدخلون الإسلام ويشبهون معادن الذهب والفضة، من كان ذو عقل راجح، قبل دخوله الإسلام، لأنه سيفيد المسلمين
( تجدون الناس معادن فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا).
وشبه الحديث مصير الخوارج مثل السهم الذي يدخل الصيد، ثم يخرج منه فلا يثبت فيه. يريد الحديث أن يقول إنهم يخرجون من الإسلام على نحو غريب غير ظاهر، وهو التمادي في الأشياء، لأن السهم يقصد منه، أن يستقر في الصيد وليس أن يخرج منه. وهم في شدة مبالغتهم في الأشياء أفقدوا أنفسهم التوازن، وخسروا العدل، وهو الميزان الذي قامت عليه السموات والأرض. والسماء رفعها ووضع الميزان.
ويذكر التاريخ لنا الشيء الجميل من أدبياتهم مقابل القصص المفزعة من قساوتهم، مثل (أبو حمزة) الخارجي عندما دخل مكة، وخطب في أهلها وهم يرعشون خوفا من سيفه البتار، يصف أصحابه الذين قتلوا في المعركة من أجل قضيتهم:
(فكم من مقلة أصبحت في منقار طير طالما بكى صاحبها من خشية الله. وكم من كف بانت عن معصمها طالما اعتمد عليها صاحبها في سجوده. منثنية أصلابهم بمثاني القرآن. إذا مر أحدهم بآية فيها ذكر النار شهق شهقة كأن زفير جهنم في أذنيه، وإذا مر بآية فيها ذكر الجنة بكى شوقا إليها). مشكلة الخوارج كانت في فقد التوازن بتدين بدون فقه، وإخلاص بدون وعي، ولذا اتفق جمهور المسلمين على أن جهاد الخوارج لم يكن جهاداً بل خروجاً، ومنه أخذوا اسمهم التاريخي، وأصبحت كلمة خارجي لا توحي بالثقة. واليوم يعود الصراع الخارجي الأموي مرة أخرى في أمكنة أخرى بأسماء أخرى.

الأكثر قراءة