إحدى الوسائل لخفض أسعار الأراضي

هناك أراض توجد في وسط الأحياء السكنية أطلق عليها اسم (الأراضي البيضاء)، تلك الأراضي عادة ما تكون ذات مساحات كبيرة بعضها محاط بسور وبعضها من دون، نشأ أكثرنا مع تلك الأراضي فأعمارها تمتد عشرات السنين، منظر تلك الأراضي في النهار أرض جرداء وفي المساء غابة موحشة يرتادها الهوام تارة وقد تكون تارة أخرى ملجأً لبعض المجرمين أو العمالة السائبة.
في مدينة جدة، التي تعاني اليوم ازدحاما شديدا في الحركة المرورية بسبب مشاريع الكباري والأنفاق الموجودة يمتد ازدحام السيارات عدة كيلومترات وتتعطل مصالح الناس وإذا ما وقع حادث في أحد تلك الطرق فهذا يعني أنك ستبقى في سيارتك عدة ساعات تنظر وأنت مسجون في سيارتك يمين ويسار الطريق لتجد آلاف الكيلومترات من تلك (الأراضي البيضاء)، التي يحرص أصحابها على تركها، كما هي عشرات السنين لتزداد قيمتها عاماً بعد عام وتسأل نفسك لماذا هذا الاحتكار؟ لماذا لا تستثمر تلك الأراضي وتطور فينتفع منها الناس وينتفع أصحابها بدلاً من أن تبقى هكذا دون فائدة إلا لصاحبها من خلال ارتفاع سعرها السنوي، لماذا لا تزال تلك الأسوار ولو مؤقتاً لتفك تلك الاختناقات مقابل رسوم تدفع لأصحاب تلك الأراضي، لماذا لا تطور تلك الأراضي أو تفرض رسوم عليها بدلاً من بقائها دون فائدة؟
كشفت دراسة حديثة أجرتها الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض عن أن إجمالي مساحات الأراضي في الرياض يصل لأكثر من 5.000 كم2، ولا تتجاوز المساحة التي تم استخدامها فعليا بالبناء عليها أكثر من 23 في المائة. أي أن أكثر من 77 في المائة من الأراضي في الرياض هي أراض بيضاء غير مستخدمة، وتزيد مساحة هذه الأراضي البيضاء حسب الدراسة نفسها على 4146 كم2 أو 4 مليارات متر2! كما تشير الدراسة إلى أن أسعار الأراضي السكنية في الرياض تجاوز معدلها 1031 ريالا للمتر المربع. أما الأراضي التي لا تصلها الخدمات فيصل معدل سعرها 589 ريالا للمتر المربع.
يذكر الأستاذ عصام الزامل في مدونته أنه بناء على الأرقام السابقة، يمكننا حساب (الحد الأدنى) للقيمة الإجمالية لكل الأراضي البيضاء في الرياض، وهي (4 مليارات متر2 ضرب 589 ريالا) وتكون المحصلة أكثر من 2.4 تريليون ريال (2400 مليار ريال) هي إجمالي قيمة الأراضي البيضاء في الرياض. وإذا كانت هذه قيمة الأراضي البيضاء في الرياض فإن الزكاة السنوية لهذه الأراضي ستكون نحو 60 مليار ريال سنويا! أما إذا أضفنا بقية مدن المملكة، فإن الرقم قطعا سيتجاوز 100 مليار ريال سنويا، فعدد سكان الرياض السعوديين يمثل أقل من 17 في المائة من إجمالي السكان السعوديين في المملكة، وتوجد مساحات شاسعة بيضاء كبيرة جدا في كل المدن الرئيسة في المملكة ويقول بأنه من الأكيد أن تجار الأراضي لن يستطيعوا دفع 100 مليار ريال سنويا، وسيكونون مجبرين على بيع بعض أراضيهم لدفع زكاتهم السنوية، وعملية البيع هذه ستكون بمثابة الدوامة التي تدفع أسعار الأراضي للأسفل، أما إذا كانوا قادرين على دفع هذه الزكاة فخير وبركة، لأن 100 مليار ريال سنويا كافية لبناء وتطوير أكثر من 200 ألف وحدة سكنية سنويا وهي تمثل إجمالي الطلب السنوي للمساكن في كل المملكة، خاصة أن بناء مساكن للمواطنين من المصارف الشرعية للزكاة).
هذا الأسبوع وافق مجلس الشورى على أن تعد وزارة الشؤون البلدية والقروية لائحة تنظم الضوابط والآلية اللازمة لفرض رسوم سنوية على الأراضي البيضاء التي تقع ضمن النطاق العمراني واستكمال الإجراءات المطلوبة، كما أكد سمو وزير الشؤون البلدية والقروية أن الوزارة تعمل على تطوير الأراضي البيضاء سواء كانت حكومية أو أهلية لعدة اعتبارات، وأنها تعمل في هذا الاتجاه الذي يسهم في تسريع التنمية ويقضي على المعوقات التي تعترض سير العمل الخدمي.
إنها قضية يعاني ويلاتها السواد الأعظم من أفراد المجتمع من أجل مصالح قلة محدودة من المجتمع، وما تم الموافقة عليه في مجلس الشورى يحتاج إلى موافقة وتفعيل سريع يتم خلال الفترة القادمة ولا ينتظر عدة سنوات فيكفي الناس ما عانوه بسبب تلك الأراضي من توقف لمشاريع وخدمات وتعطيل مصالح عامة ويكفي أولئك الملاك ما جنوه من أرباح.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي