نحو مشروع للمسؤولية الاجتماعية لدعم التعليم
الحديث حول ضرورة مساهمة المجتمع الأهلي بمؤسساته المجتمعية وجمعياته الأهلية، في تطوير منظومة التعليم والبحث العلمي وتحديثهما، بات اليوم ضروريا ومهما أكثر من أي وقت آخر، وربما نزيد عليه أيضا التعويل على المشاركة المجتمعية في توظيف الشباب ومحاولة الخلاص من محنة البطالة التي تهدد أمن الشعوب وتوقف مسيرة التنمية فيها، والتعامل مع هذه القضايا كقضايا أمن وطني، قبل أي اعتبار آخر، حيث إن تفجير قضايا كالبطالة وما حولها، يطرحها كمشكلات وطنية يجب ألا تتفاقم تداعياته، وعدم اقتصار الاهتمام بها على الجانب الرسمي، فقد بات من الضروري لمجتمعنا السعودي، خاصة رجال المال والأعمال الوطنيين، أن يراجعوا مواقفهم وحساباتهم بقدر ما يبذلونه من جهود وخدمات لهذا الوطن، وإلى جانب ما يستفيدونه أيضا، حيث منحهم وأعطاهم الكثير بدءا من تعليمهم بالمجان، ووصولا إلى ما هم عليه من صور التميز والتفوق النابع من بيئة سعودية أصيلة.
والمسؤولية الاجتماعية لدعم التعليم، إنما نعني به في المقام الأول، تكاتف وتتضافر جهود كل القوى والتوجهات الوطنية لدعم التعليم جنبًا إلى جنب مع الجهود الرسمية لأداء هذه المهام؛ كون التعليم قاطرة التقدم للمجتمع كله؛ وأن تتحوّل قضية التعليم في ضمير أبناء هذا الوطن الكرام إلى قضية وطنية تتعلق بأمن المملكة ومستقبلها؛ ما يدعونا إلى ضرورة تدشين حملات إعلامية ضخمة؛ لتفعيل دور الأسرة والمجتمع الأهلي في التعليم. والدور الأكبر إنما يقع على أولياء الأمور برعاية أولادهم خارج المدارس وتوفير كل مستلزماتهم التربوية والدراسية، إضافة إلى رجال الأعمال وتفضلهم بجزء مما أفاء الله؛ بجانب دور المؤسسة النيابية، وأعني في ذلك مجلس الشورى، وما قد يطلب إليها لسن الأنظمة والقرارات، ورفعها للمقام الكريم لتنفيذها، والحرص على أن تتواصل هذه الحلقات جميعها لتساند جنبًا إلى جنب جهود القائمين على التربية والتعليم؛ حتى نلمس التعليم المطور وقد غطى أرجاء المملكة على أكمل وجه وفي أبهى صورة.
ما أحوج بلادنا الآن إلى مشروع وطني ضخم للمسؤولية الاجتماعية يشارك فيه كل ذي عطاء من فئات المجتمع، توضع له ابتداءً مجموعة من الأسس والمنطلقات الفكرية الضابطة والموجهة له، مثل: عدّه مقاربة مجتمعية مهمة نحن في حاجة إليها لترسيخ الاهتمام بالتعليم، تعزِّز هذه المقاربة المجتمعية العلاقة بين الأسرة والمدرسة، وتوثّقها من ناحية وبين المدرسة كمشروع تربوي والمجتمع من ناحية أخرى، لإحداث تحوّل تعليمي، يسمو بالقدرة المجتمعية على المشاركة، ويمنهج المتعلم على المواطنة الصالحة لمواكبة التطورات الحاصلة اليوم في عالم متغير..
كما يعتمد هذا المشروع الوطني المجتمعي التعليمي المقترح على توطين المعرفة وتنوع مصادر التعلم ليعكس في الوقت نفسه، نمطًا مستحدثًا من الإدارة التربوية المجتمعية القادرة على التعامل مع مجتمع المعرفة؛ وتحقيق الجودة الشاملة في التعليم، يعكس التزامًا بالمواثيق الوطنية والدولية الخاصة في هذا الشأن؛ ودعم قدرات المشاركين في العملية التعليمية على التفكير الناقد الخلاق، القادر على حل المشكلات والإبداع في صنع القرارات واتخاذها. وبما يعزِّز هذا المشروع قدرة المجتمع على تنمية أجيال قائمة على التعاون والتآزر والتعاضد والمشاركة، بما يزيد اللحمة الوطنية من ناحية، ويعطي القدرة على المنافسة في عالم متغير من ناحية أخرى.
وتأتي أهمية مشروع المشاركة المجتمعية لدعم التعليم كآلية مضمونة قوية لتحقيق الجودة الشاملة للمؤسسة التعليمية كهدف وطني يجب أن تسعى إلى تحقيقه الدولة؛ تتويجًا لجهودها المباركة على طريق التغيير والتطوير المستمر؛ ليشكِّل هذا المشروع ما نطمح إليه من شراكة مجتمعية لدعم التعليم، يمنحنا نقلة نوعية في التعليم؛ ففضلاً عن المكاسب التعاونية والتآزرية الوطنية؛ فإن ثمة مكاسب تربوية أخرى، منها تقويمه المستمر لأداء المؤسسات التربوية والتعليمية على اختلاف مستوياتها، والوقوف على جوانب القوة فيها لتدعميها، وجوانب الضعف لعلاجها بالأساليب العلمية المناسبة، والمحصلة النهائية الارتفاع بكفايتها والارتقاء بأدائها؛ ناهيك عن أن هذا المشروع الحضاري يمثّل محكَّا عمليًا موضوعيًا، ونوعًا من العقد الاجتماعي الذي يكفل تحقيق التعاون والشفافية والمساءلة والمحاسبية بين المؤسسات التعليمية والعاملين في حقل التعليم من جهة، وبينهم وبين المستفيدين منه من جهة أخرى، ابتداءً من الطالب ومرورًا بالأسرة وانتهاءً بالمجتمع ككل.
ليس كافيًا أن نجد إسهامًا وقتيًا في تبني عدد من الطلاب المتفوقين، ومع هذا فليتنافس الوطنيون الكرام في هذا الإطار وما يشبهه من عطاءات، لكن المتوقع أيضًا بجانب المشروع المؤسّسي للمسؤولية الاجتماعية، أن تمتد الأيدي الخيّرة والكريمة نحو المؤسسات التربوية والتعليمية دعمًا ومؤازرةً في صور وقف أو هبات عينية أو مادية بدءًا من إنشاء المعامل أو تجهيز القاعات، أو تحديث الورش، أو الإمداد بالأجهزة والمعدات التقنية أو إنشاء مبان إضافية يحمل كل منها اسم المتبرع، أو كفالة فئة من الطلاب سواء من الأيتام أو ذوي الاحتياجات الخاصة، أو إعداد مكتبات سمعية أو إنشاء مكتبات للاطلاع، أو غير ذلك مما يراه أبناء الوطن ومؤسساته سبيلاً ومجالاً خصبًا للمشاركة دون الوقوف موقف المتفرج تجاه قضايا التعليم ومشكلات تمويله، وكأنهم خارج سياق المنظومة التي تتطلب تضافر جهود أبناء الأمة في سبيل بناء مشروعها المستقبلي الذي يظل رهن العلم والبحث بالدرجة الأولى.
إن مجتمعنا أصبح الآن مطالبًا دون أي وقت آخر بالإجابة عن السؤال الوطني والحضاري المهم حول هذه المسؤولية الاجتماعية لدعم التعليم، ولا سيما أن وجه الاستفادة الأكبر سيعود على المجتمع.. كل المجتمع، من أجل مستقبل أجيالنا.