«معليش.. ما فيه مشكلة»
تتردد هاتان العبارتان ومرادفاتها مرات عدة يوميًا على مسامعنا؛ حتى غدت من أوائل ما يتعلمه العامل الوافد من الكلمات العربية، فما إن يسأله الزبون عن إجادته لإصلاح الكهرباء مثلا فيجيب بالإيجاب فيثني بسؤاله عن إصلاح مواسير المياه فيأتيه الجواب الحاضر (ما فيه مشكلة صديق)، وهكذا تتكرر الإجابة لو تكرر السؤال عن مجال ثالث ورابع، لكن الحقيقة أن ثمة مشكلة كبرى، فالكهرباء قد تتحول إلى نار مدمرة إن لم توصل بالشكل الصحيح، والمياه قد تتسرب فتتلف المنزل، والسيارة قد يتعطل محركها إن لم تتم صيانتها، وفق تعليمات الشركة الصانعة.
هذه المشكلة لا تقتصر على عمالة بسيطة وافدة؛ بل إننا نشاهدها في شوارع نعبرها يومياً وقد شوهتها المطبات التي تعقب كل حفرة لإيصال الخدمات إلى المنازل المبنية حديثًا، إذ لا تعود طبقة الأسفلت إلى سابق عهدها، بل ترتفع أو تنخفض لتشكل مطبة إقلاق راحة كل راكب في سيارة يسير فوقها، كما تشكل مجمعا للمياه عقب هطول المطر أو تسرب مياه من المنازل المجاورة ولسان حال المهندس المراقب لتنفيذ مشروع الحفر وإعادته لسابق عهده يقول (مشي حالك، ما فيه مشكلة..) وغيرها من عبارات التفريط والتساهل في المال العام.
وقد يتحول مبدأ (معليش ومشي حالك) إلى كارثة مدمرة عندما تتضخم الأعمال والمشاريع؛ فيتم التساهل في استقدام عشرات الآلاف من العاملين على مدى سنوات حتى نصدم بنسبة بطالة تزيد على 10 في المائة، وتتركز في الشباب الذين يشكلون 60 في المائة من إجمالي المواطنين، كما قد يتم التساهل في فسح البناء للمنازل في أطراف الأودية ثم في بطونها ويتدافع الناس للبناء بعد إحجامهم عندما تمر سنوات بأمان، ثم في ساعة غير متوقعة يجري السيل العرم لا يلوي عن شيء فيحمل السيارات كأغصان القش، ويفت عضد الشباب الفتي، فضلا عن الشيوخ والأطفال والنساء.
إن (معليش، ومشي حالك، وما فيه مشكلة) مشكلة، بل قد تكون مقدمة لكارثة أينما حلت، سواء في الأعمال المنزلية أو في صيانة السيارة أو إصلاح الطريق أو مشاريع البنية التحتية؛ ويجب التصدي لها بالعمل المتقن، وفق المعايير الدقيقة والمواصفات العالية وترسيخ ثقافة المحاسبية والمسؤولية والمساءلة والشفافية؛ فهي كفيلة بإنتاج مخرجات ذات مستوى عالٍ من الجودة يليق بوطننا ومواطنيه.
سيادة هذا المبدأ الخاطئ تؤدي إلى عدم إتاحة الفرصة للمختصين للعمل في مجالات اختصاصاتهم، فتتلاشى مهاراتهم وينكفئون على ذواتهم بعد حين، فضلاً عن آثاره في العمل والإنتاج. كما يصنع شعورا عاماً بالرضا بالأدنى باعتباره خيرا من العدم، ويولد شعوراً بالانهزامية أمام منجزات الدول والجهات المتقدمة.