القلق الإيراني - السوري .. مخاوف داخلية وراء توتير البيئة الإقليمية
يبدو أن الأمور تتطور بشكل عاجل وسريع، وأن الرئيس الأسد الممسك بالسلطة، يرى أنها بدأت تفلت من بين يديه، وأن الأوضاع الداخلية لم تهدأ بعد، وأن الأوضاع الخارجية أصبحت مقلقة ومزعجة أكثر من السابق، المعارضة توافقت أخيرا وأنتجت مجلسا انتقاليا، وهي ماضية لتحقيق أهدافها، رفضت أن تكون مطية ورفضت التدخل الخارجي وتعمل من أجل أن تكون سلمية لا دموية كما يريدها الرئيس، ونواة المنشقين من الجيش بدأت تتكاثر، واحتمالات انشقاق آخرين أصبحت ممكنة ويومية، والأوضاع الاقتصادية تسوء وطباعة العملة الورقية تشي بالأزمة، والدبلوماسية السورية فشلت في إحداث اختراق خارجي بإقناع العالم بأن ما يجري في سورية مجرد مندسين وسلفيين ولقطاء سياسيين، ولم تنفع تلك الأسطوانة ولم تحقق نتيجة، وروسيا وبكين رغم استخدامهما لحق الفيتو فإنهما سيواجهان استحقاقات الرأي العام وسخط الشارع السوري والعربي، والحكومة السورية لم تبحث عن حلول مدنية، بل استدعت قوى أمنية، ولجأت إلى إخافة الطوائف وإثارة هواجسها الأمنية، وبعض الطوائف وجدها فرصة للتعبير عن مخاوفه، لكي لا يسقط نظام الأسد، فتصادم الراعي مع الغفير، استنزف النظام كامل أوراقه، أغلق الأبواب مع أوروبا بعدما شطبها من الخريطة، وأقفل النافذة التركية بالقول تركيا هي التي في حاجة إلينا، ونحن من قدمها للمنطقة، وأخيرا أقفل النافذة الأردنية، مرة بتهمة أن أحداث درعا نفذت بليل، وأن ثمة مخاوف من منطقة عازلة وحدودية سورية يلعب فيها الأردن دور الدولة المفتاح، وإذا ثبت فعلا أن العاهل الأردني طرد آصف شوكت مدير المخابرات السورية من قصره في عمان وآثرت عمان الصمت فإن هذه اللهجة الحاسمة تؤكد أن الانفعال السياسي سيد الموقف السوري، فهو لم يدرك بعد أنه يتدحرج، لكنه يكابر، ومما قيل عن أن العاهل الأردني أكد له أن بلاده ستقف مع الشعب السوري، ومع الشرعية الدولية، وأنها لن ترضخ ولا تخاف التهديدات السورية.
مع موجة الثورات والاحتجاجات العربية بات أي صحافي يفتتح له موقعا إخباريا مدعوما من أي جهة، وأن يلقى اهتماما من الحكومات المنبوذة، وأصبحت دولة مثل سورية تعيش حالة من العزلة وبدأت رحلة البحث عن أصدقاء، ولو كانوا مكشوفين لديها، لكنها في هذا الوقت لا تدقق كثيرا في طبيعتهم ومكانتهم، ويقال - والعهدة على الراوي - إن صحافيين عربيين التقيا أخيرا في أحد المقاهي في دولة عربية، وكان كل منهما يدير موقعه الإخباري الخاص به من المقهى نفسه، وقررا التالي الأول يشتم الرئيس السوري ويحيي ثورة الشعب السوري ويدعو للتدخل الدولي، بينما يرد عليه الآخر باعتبارها مؤامرة خارجية على سورية المقاومة والممانعة، وأن الرئيس الأسد بحكمته سيطفئ نيران هذه الفتنة وستتمكن سورية الصمود من إعادة استقرارها، وتحقيق إصلاحات سياسية واقتصادية وتعليم العالم درسا في الديمقراطية، وتحدث عن الموقف القومي لسورية، وبعد النشر قام هذان الشابان بحركة علاقات عامة لنشر الخبر وليصبح حديث الصالونات السياسية، ووصل الأمر لسعادة السفير السوري في تلك الدولة، اتصل السفير طبعا بمن دافع عن سورية والرئيس الأسد، يحيي موقفه الشجاع والأصيل، وفي اليوم التالي أكد له أن الرئيس السوري بشار الأسد منحه جزءا من وقته لزيارة سورية، وفعلا حزم هذا الصحافي حقائبه وذهب إلى دمشق وقابل الرئيس، وبعد المقابلة حصل على شيك بمائة ألف دولار، عاد الصحافي إلى المقهى والتقى صاحبه وتقاسما المبلغ.
يعكس ما تقدم أن الرئاسة السورية مرهقة ومتعبة وأصابها الغبش السياسي ووصل بها الأمر إلى عدم التدقيق والتمييز في هويات القادمين إليها من أصحاب الدكاكين المسماة مواقع إخبارية، فقط لا مانع إن أشادوا وهللوا لسورية والرئيس، ولتكتشف أن الإعلام الجديد له ألوانه وفنونه أيضا، فهذه الحادثة تكشف حالة من السقوط وحالة من التردي المهني في سلك الدبلوماسية السورية، ولم يتوقف الأمر كذلك، بل إن دمشق وطهران بلعا أكثر من طعم، فقط كشفت شخصية خليجية زارت دمشق قريبا، وهي مقربة من الرئاسة السورية، أن دمشق بحثت معه إنشاء مكتب للمعارضات الخليجية في إيران ودمشق وفضائية، وعرضت أكثر من ذلك الدعم المالي واللوجستي للقيام بعمليات تحريض وتفجير داخلي، وفوضى داخلية، وحذرنا من ذلك بداية الأزمة السورية من أن طهران ودمشق سيشعلان اليمن ويقودانها إلى الحرب الأهلية، وكذلك إثارة الفوضى في الأردن، حيث تقول التقارير إن أحداث المفرق في الأردن كانت خلفها المخابرات السورية، وإن إيران رصدت 200 مليون دولار لدعم الفوضى في الأردن، وتبني معارضات، ولعل ازدياد وتيرة الحضور لأعضاء سابقين في المعارضة الإسلامية وعلاقتهم المتميزة مع سورية وإيران تفتح أسئلة كبرى عما يجري في الأردن مثلا.
المهم أن هذه الشخصية وللأمانة فهي «شيعية» رفضت هذا المنطق لسبب وطني أصيل، فهي ليست ملوثة، ولا تعمل بمنطوق التخادم والولاء السياسي، ولا ترى أن معارضة في دمشق أو طهران لها استقلالية، فهي طلقة في بيت الرصاص الإيراني أو السوري يستخدمها لمصلحته فقط، ويهملها إن تحققت تلك الغاية، كما أنه رفض من منطلق مبدئي لأنه يرى أن ما يجري في سورية مطالب شعبية يجب أن تحترم، ويجب أن تقدم الرئاسة السورية تنازلات وإصلاحات حقيقية، وانتقد الموقف الإيراني من الاحتجاجات الشعبية، وسجن رموز الحرية والثقافة في إيران، فغضبت منه سورية وأعادته إلى بيروت على جناح السرعة؛ لأنه رفض أن يكون عميلا.
ضمن هذا السياق جاءت أحداث القطيف التي حدثت أخيرا في المملكة ضمن سياقات التخادم السياسي، رغم أن نخبا ورموزا ثقافية وسياسية شيعية مرموقة ترفض أن تكون أداة لإيران وبوقا ناطقا باسمها وعميلا لديها تحركه كيفما تشاء، وترفض أن تضع الانتماء الوطني للسعودية كوطن في كفة والانتماء لإيران وتحقيق مصالحها في الكفة الثانية، فقد توقعت مصادر أمنية سعودية مبكرا أن تعبث إيران كعادتها بالأمن الوطني السعودي والخليجي، وأن تقوم بعمليات شد لأطراف الأمن السعودي في البحرين واليمن، وعندما أجهضت السعودية ذلك، لجأت إيران إلى اغتيال علماء شيعة لإثارة وتحريض الشيعة ضد المؤسسات الأمنية الخليجية والسعودية، وأخبرت الأجهزة الأمنية السعودية شخصيات بعينها أنها مستهدفة، وحالت دون ذلك، على اعتبار أنهم قتلوا بأيدي هذه الأجهزة، وعندما فشلت هذه العمليات أعادت الكرَّة مرة أخرى بدعم بعض أعوان إيران في المنطقة للقيام بأعمال شغب داخلية للفت الأنظار عما يجري في سورية وإيران وانزعاجا من حالة الوحدة والتجانس التي عليها المجتمع السعودي، حيث تعتقد إيران أن سقوط بشار أصبح قاب قوسين أو أدنى، وأن الدور الإيراني قادم لا محالة، ولهذا تحاول طهران تفسير أحلام الرئيس السوري بشار الأسد بتأكيده لوزير الخارجية التركي أن دمشق أقوى مما يعرفه عنها الأمريكيون، فقبل إطلاق صاروخ واحد على دمشق سيقوم الأسد بإشارة منه لإحداث زلزال إقليمي زاده الشيعة في العالم وإيران، وإحراق الأساطيل وإيقاف ضخ النفط، وسقوط دول وعروش، ومن هذا القبيل، وطبعا هذه الرؤية هي الرؤية نفسها التي حكمت ذهنية صانع القرار العراقي عندما ضحكت عليه المقاومات المدفوعة الثمن من أنها ستحرق الأرض تحت الأساطيل الأمريكية وتقلبها جحيما، وسيضطر الرئيس الأمريكي باراك أوباما للطلب من دمشق التعقل والهدوء.
مجلس الأمن سيتجاوز عقدة الموقف الروسي والصيني، فاللعبة ليست مبادئ، بل مصالح، وعندما يتفق عليها لا يكون للاعتراض الروسي والصيني دور فيما بعد غير أن روسيا ستكثر من خطاباتها الإعلامية والسياسية الرافضة للتدخل، وهي تعي أن ذلك للدعاية وتسجيل موقف سياسي، وسيصدر قريبا قرار آخر عن مجلس الأمن يشار فيه إلى إمكانية استخدام القوة لحماية الشعب السوري، وهنا تضيق دائرة الخناق وتصبح التطبيقات العملياتية هي الأساس والمعلومات الاستخبارية ستنبئ القيادة السورية أن أمريكا تتقدم هي والنيتو نحو التغيير في سورية.
آصف شوكت مدير المخابرات السورية زار عمان سرا (إن كان خبر زيارته السرية لعمان حقيقيا) ولكون سورية كانت تنظر لعمان باستعلاء، وكانت لا تعترف به كدولة، لدرجة أن البعثة الدبلوماسية السورية لم ترق إلى درجة سفير وظلت لسنوات طويلة على مستوى القائم بالأعمال من طرف سورية، لحين مجيء الملك عبد الله الثاني الذي أصر على تبادل دبلوماسي متوازن، أو لا، إضافة إلى أن سورية منذ عهد الأسد الأب كانت تماطل في حل مشكلة المياه مع الأردن وإقامة سد الوحدة وتزويد الأردن بالماء، فكلما وصلوا إلى نقطة احتاجت الثانية إلى سنوات لتنفيذها، وهنا نرى أن ما نقل على لسان آصف شوكت كتهديد لعاهل الأردن (إن سمحت أو منحت عمان لأي تطور يؤدي إلى إيجاد بنغازي سورية فإن المدن الأردنية ستكون تحت مرمى الصواريخ السورية والكثيرة طبعا)، وبالطبع كان رد العاهل الأردني حاسما في الموضوع، أتمنى ألا نصل إلى ذلك، لكن إذا وصلت الأمور فنحن نعرف كيف ندافع عن بلادنا، وسنكون مع الشعب السوري، ومع الشرعية الدولية وسنطبق أي قرار دولي، طالبا إلى مدير جهازه الأمني توديع الضيف، ويخرج الملك قبل استكمال اللقاء.
دمشق أصبحت غير واثقة بنفسها حتى من أصدقائها في المقاومة والممانعة، فقبل أسبوع سمحت وزارة الداخلية في الأردن لخالد مشعل رئيس المكتب السياسي في حركة حماس بزيارة عمان ليومين، وكانت قد سمحت له سابقا أيضا لغايات إنسانية فقط ودون لقاءات رسمية أو مع الحركة الإسلامية، وفعلا زار مشعل عمان لرؤية والدته المريضة والاطمئنان عليها، غير أن دمشق شككت في هذه الزيارة وقالت إن الأردن خضع لضغوط قطرية - أمريكية - إسرائيلية لقبول زيارة مشعل، والهدف أن هذه الدول الثلاث أرسلت رسالة للرئيس الفلسطيني أبو مازن أن استمرارك في الحديث عن طلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية، الذي تعارضه طبعا حماس، سيدفعنا إلى التخلي عنك ودعم حركة حماس باعتبارها ممثلا للفلسطينيين، كما أن حضور مشعل لعمان سيعزز الأمن والاستقرار في الأردن؛ إذ يملك مشعل سلطة كبيرة على الأردنيين من أصول فلسطينية في الحركة الإسلامية، مقابل المطالبين بالإصلاحات الدستورية التي يبديها الأردنيون الأصلاء في الحركة الإسلامية، لا بل إن دمشق ترى أن مشعل خرج عن ولايتها السياسية هذه المرة، وأن هذا سيقود إلى العودة إلى عمان، ويؤكد ذلك سلسلة الضغوط التي مورست على قيادة حماس فقد رفض المرشد الأعلى الإيراني استقبال مشعل، وعدم دعوته لمؤتمر الصحوة الإسلامية الذي عقد أخيرا في طهران ودعيت بدلا منه حركة الجهاد الإسلامي، التي يمثلها رمضان شلح، وقطعت الدعم المالي، إضافة إلى سلسلة الإهانات التي تعرض لها قياديون في الحركة في دمشق من قبل ماهر الأسد شقيق الرئيس.
طهران ودمشق كمن يلعب في الوقت الضائع، مزيد من السرعة وكثير من الأخطاء، فقد كشف في طرابلس الليبية أخيرا أن آلاف الصواريخ الروسية نهبت من مخازنها في سبها، وهي صواريخ مشابهة لصواريخ ستنجر الأمريكية، ونقلت إلى قاعدة للحرس الثوري في السودان، وتم نقل بعضها إلى مدينة طبرق قرب الحدود المصرية لنقلها إلى غزة، خاصة أن طبرق تسيطر عليها الجماعة السلفية للدعوة والقتال الليبية، وكثيرة هي المعلومات التي تؤكد أن حركة الجهاد الإسلامي تلقت تعليمات بإثارة الفتنة بين مصر وإسرائيل في هذا التوقيت وضرب أنبوب الغاز وتفجيره للمرة السادسة على التوالي، ناهيك عن الحملة المنظمة السورية والإيرانية داخل مصر، إضافة إلى المعلومات شبه المؤكدة التي تفيد بأن إيران دعمت عناصر القاعدة في اليمن بالمال والسلاح والتنسيق المخابراتي، وبحسب مصادر يمانية فإن العولقي، الذي قتل أخيرا كان على صلة بطهران، وأن السوريين يروجون هذه الأيام إلى أن كلا من أيمن الظواهري وسيف العدل تركا أفغانستان وعادا إلى اليمن لقيادة تنظيم القاعدة والاستفادة من حالة الوهن الأمني في اليمن والصومال، حيث من المتوقع أن يصل الظواهري إلى الصومال وربما إلى ليبيا، وطبعا مثل هذه المعلومات الهدف منها إثارة الهواجس والمخاوف الأمنية الأمريكية من الفوضى ونواتج غياب الاستقرار، خاصة أن تحليلات بدأت تظهر بأن انهيار النظام السوري سيؤدي إلى فوضى إقليمية يكون فيها تنظيم القاعدة والحركات المتطرفة والإسلامية القوة الرئيسة، ويشار إلى أن محمد إبراهيم مكاوي الملقب بسيف العدل كان مسؤولا لوقت سابق عن التفجيرات التي قامت بها القاعدة في القرن الإفريقي وله صلات قوية بالتنظيمات المتطرفة هناك، وأن واشنطن في عام 1998 عرضت مكافأة قدرها خمسة ملايين دولار لمن يقبض عليه، وهو المسؤول الأمني والاستخباراتي ومسؤول التنسيق في تنظيم القاعدة وكان في إيران لفترة طويلة.
إلى ذلك يربط صناع المعلومات الأمنية شبه السرية ما يجري بزيارة وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا إلى إسرائيل ومن ثم إلى مصر، في زيارة شرق أوسطية، أصدر خلالها تصريحات ضد إيران قال فيها إن إيران لن يكون مرحبا بها في المجتمع الدولي إلا إذا تخلت عن ملفها النووي، وقال إن سقوط الأسد مسألة وقت وعليه التنحي جانبا، وقال أيضا إن على إسرائيل أن تهتم بعملية ضبط النفس في تعاملاتها مع حلفاء أمريكا الشرق أوسطيين، وقبل بانيتا زارها توم دونيلون مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الأمن القومي في الشرق الأوسط، ودونيلون يوصف بأنه رجل عملياتي ومنظم ويملك قدرات هائلة لهندسة الأفكار والآليات وبناء السياسات والمحاور، ولدونيلون رؤية في الاحتجاجات العربية تتمثل في أربعة خطوط رئيسة وهي الأولى، أن الثورات العربية حدث «تاريخي» يمكن مقارنتها بسقوط الإمبراطورية العثمانية أو إنهاء الاستعمار في منطقة الشرق الأوسط بعد عام 1945؛ وثانيا أنه لا توجد "أي دولة محصنة ضد التغيير"؛ وثالثا أن الثورات تمتلك "جذورا ضاربة بعمق" في الحكم السيئ والتركيبات السكانية وتقنية الاتصالات الجديدة؛ ورابعا "هذه فعاليات محلية لا يمكن أن تمليها الولايات المتحدة أو إيران أو أي قوة خارجية أخرى"، غير أن دونيلون قال عقب ذلك: إن التغييرات ليس لها اتجاه محدد وقد لا تصب في مصالح واشنطن، ومع ذلك فهي لن تطول أو تمس مصالحنا وعلاقاتنا الاستراتيجية.
إذاً الاستراتيجيات ليس عليها تغيير، وغياب الأسد أو مبارك والقذافي وبن علي، بالنسبة لواشنطن عادي طالما أن المصالح قائمة، غير أننا نحن العرب نطرب للشعارات والكلام الكبير، ولنا خطاب سياسي أحيانا له صولة لكنه في حقيقة الأمر ليس أكثر من إطلاقات في الهواء. وأذكر أننا كنا نزور بغداد عام 1992 ودعينا على عجل إلى فندق فلسطين، وعندما دخلنا القاعة كنا نرى وهجا ثوريا ينتفض وكنا نستمع لعبارات صارمة وكأنا نملك العالم، وعندما أجلسونا حول الطاولة المستديرة، كانت هناك مدافعة ممن يقترب أكثر من المتحدث، وكان آنذاك شخص يدعى نوري فيصل شاهر مسؤول كبير في الدولة ومسؤول عن الشباب، وعندما دخل بدأت الهتافات، وبعض الحاضرين كان يلف عنقه بكوفية النضال القومي، وبعضه كان يلبس لباسا مبرقعا، وآخرون استعدوا للمعركة الحاسمة، طلب شاهر من الجميع أن يتحدث وكانت البداية مما يليه، فكل شخص يعرف نفسه ومنصبه النضالي، غيري أنا وصاحبي مجرد صحافي وباحث سياسي، كلهم لهم منظماتهم الفدائية ونحن ليس لنا إلا الله، وعندما تحدث الأول قال سنحرق البحر تحت السفن الأمريكية، والآخر سنضرب القواعد العسكرية، والآخر سنحرم عليهم دخول البلاد العربية، وبعده قال سنصلهم في عقر ديارهم، وهمست في أذن صاحبي كل هذا الكلام خرطي فهؤلاء نضالهم من كلام ومن ورق، وعندما جاء إلينا الدور قلنا ليس لدينا ما نحرقه، وعلى كل واحد أن يتحمل مسؤولياته والدولة لها جيش، وعليها ألا تطرب من هذا الكلام التعبوي، فغضب الأشقاء وقالوا عنا خونة وعملاء.
هذا الكلام يذكرني بحديث الرئيس السوري بشار الأسد مع وزير الخارجية التركية، واستقباله الوفود التي ستغلق مضيق هرمز وقناة السويس، وتحدث أزمة عالمية كونية، وتشل الاقتصاد الأمريكي ويخرج الأمريكان للشوارع طالبين من أوباما أن يترك سورية لكي لا يموتوا جوعا بسبب هذه الإجراءات، وأن الغرب سيخاف قوة حزب الله التي ستوجه إلى أوروبا، وكذلك إيران وقوات البدر وفيلق القدس، أشياء كبيرة يجب أن تحسب واشنطن حسابها منذ الآن، عليها أن تفكر مليا قبل إقدامها على إيذاء أظفر الأسد، فالمسألة ليست سهلة وعلى واشنطن والنيتو ألا يعتقد أن سورية مثل ليبيا والأسد مثل القذافي، أو كتلك الخطابات النارية التي درج عليها الرئيس الإيراني أحمدي نجاد لحرق البحر وإغلاق هرمز، وأخيرا نشر قطع بحرية قبالة، السواحل الأمريكية.. فأي قوة هي إيران حاضرة في الخارج ومنهكة ومتهتكة في الداخل وعن أي قوة يتحدث الأسد وهو لم يطلق طلقة باتجاه الجولان؟!