عودة الحيوية لاقتصاد دبي
زرت دبي لأيام عدة نهاية أيلول (سبتمبر) بقصد إجراء دراسة حول أداء اقتصاد الإمارات لإحدى المؤسسات الغربية، وعليه حصلت على فرصة للوقوف على آخر التطورات في ثاني أكبر اقتصاد عربي بعد السعودية. وتبين لي من خلال المتابعة والأحاديث مع العديد من الأطراف أن عودة الحيوية لاقتصاد دبي أصبحت حقيقة واقعة.
ومن سخرية القدر، أو كما يقال مصائب قوم عند قوم فوائد، يستفيد اقتصاد دبي بشكل جزئي من ظاهرة الربيع العربي عبر توفير بديل ومأمن في الوقت نفسه. على سبيل المثال، هناك حديث متواتر عن استقطاب دبي أنشطة بعض المصارف العاملة في البحرين بسبب طول مدة الأزمة السياسية التي اندلعت في المملكة بداية العام الجاري. فقد قام أكثر من بنك يعمل في البحرين بنقل أنشطة إدارية مثل معالجة الحسابات إلى دبي. وهذا يعني بالضرورة دخول أفراد وأموال للعديد من القطاعات الاقتصادية في دبي.
«نخيل» تحقق أرباحا
لكن يبدو أن دبي لديها مشكلة أصلا في إدارة قطاع الخدمات المالية بدليل التغييرات المتكررة وغير المفهومة بالنسبة لإدارة مركز دبي المالي العالمي. فقد تم تعيين ومن ثم إعفاء أحمد حميد الطيار كمحافظ لمركز دبي المالي العالمي في غضون أشهر عدة، الأمر الذي لا يخدم عملية استقرار قطاع الخدمات المالية للإمارة.
وحديثا فقط، فاجأت شركة نخيل العقارية المراقبين بإعلانها تحقيق أرباح صافية قدرها 234 مليون دولار في عام 2010. لكن لم تنشر نخيل بيانات تفصيلية وموقعة من قبل إحدى شركات التدقيق العالمية بغية تحقيق المصداقية.
وكانت الشركة نفسها قد أعلنت أخيرا توصلها لاتفاق مع الجهات الدائنة لإعادة هيكلة مديونية بقيمة 16 مليار دولار والبدء في إصدار سندات إسلامية لتسديد جانب من التزاماتها المالية. بالعودة للوراء، شكل قرار تأجيل عملية سداد قدرها 3.5 مليار دولار على شركة نخيل شرارة بروز معضلة مديونية دبي، حيث تطلب الأمر تدخلا من جانب إمارة أبو ظبي لإنقاذ دبي من ورطتها المالية، أما البقية فهي جزء من التاريخ كما يقال في الثقافة الغربية.
حقل الجليلة النفطي
يتمثل الخبر الإيجابي الآخر حول فرضية بدء الإنتاج النفطي لحقل الجليلة في دبي قبل نهاية العام الجاري. وليس من الخطأ اعتبار الكشف عن الخبر بمثابة رسالة لمن يهمه الأمر من الأطراف الدولية بأن دبي ماضية في تعزيز اقتصادها المحلي بشتى الطرق بما في ذلك القطاع النفطي. بل تشمل الرسالة أن دبي ربما لا تحتاج إلى معونة مالية من أبو ظبي لمعالجة تحدياتها الاقتصادية. لا شك، تعتبر إمارة أبو ظبي المصدر الأول للإنتاج النفطي في الإمارات، حيث تسيطر على 90 في المائة من الاحتياطي النفطي المكتشف للدولة.
بيد أنه استمرارا لمعضلة الإفصاح، تحاشى البيان المنسوب للمجلس الأعلى للطاقة ذكر تفاصيل بخصوص مستوى الإنتاج والاحتياطي للحقل الذي يحمل اسم إحدى كريمات حاكم ونائب ورئيس وزراء ونائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم.
إضافة إلى ذلك، بدأت السلطات في أيلول (سبتمبر) بتشغيل الخط الأخضر ضمن مشروع مترو دبي؛ الأمر الذي من شأنه تعزيز البنية التحتية للإمارة. يشار إلى أن دبي بدأت بتسيير محطات الخط الأحمر التي تغطي الجزء الأكبر من مطار دبي قبل عامين، أي قبل فترة وجيزة من ظهور معضلة المديونية. وكان من المفترض تشغيل المشروع بأكمله الذي ضم 47 محطة في عام 2010، لكن تأخر كل شيء بعد الكشف عن أزمة المديونية. وفي كل الأحوال، يضيف تشغيل محطات الخط الأخضر التي تضم بعض المناطق التقليدية في الإمارة مثل الخور للسمعة التجارية لدبي.
العالم قرية
في هذا الصدد، ذكر لي أحد الغربيين المتابعين لاقتصاد الإمارات أن دبي ربما تكون متقدمة بنحو عشر سنوات بالنسبة لنوعية البنية التحتية عن بقية الإمارات الست. فضلا عن محطة المترو، يعد مطار دبي من بين المطارات الأكثر ازدحاما في العالم. بل تشير التقارير إلى احتمال تبوؤ مطار دبي وفي غضون سنوات قليلة المركز الثاني على مستوى العالم من حيث عدد المسافرين، أي فقط بعد مطار هيثرو في لندن.
ختاما، مؤكد تعلمت دبي الكثير من تجربة إدارة مديونيتها، التي تجلت في نهاية عام 2009 بعد أن أعلنت مجموعة دبي العالمية والتابعة لحكومة دبي ومن جانب واحد تأجيل تسديد بعض التزاماتها المالية التي كانت ستحل في غضون فترة قصيرة. ويمكن الزعم بأن الخطأ الجسيم الذي تم ارتكابه هنا ليس بالضرورة تأخير عملية إرجاع الأموال للمصارف الدائنة فهو يحدث لمختلف المؤسسات والحكومات والدول، بل الفشل الفعلي يعود لعدم تنسيق الأمر مع المؤسسات المالية الدائنة.
والغريب في الأمر حديث البعض في دبي بأنهم فوجئوا من مستوى ردود الأفعال في العالم، خصوصا في وسائل الإعلام الأوروبية، التي حملت المؤسسات المالية وزر تقديم تسهيلات لدبي. وربما نسي البعض في دبي أن العالم بات قرية.