سلطان بن عبد العزيز أثر في كل نفس ومكان

إنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، تعجز الكلمات والحروف أن تصور حجم وأسى فاجعة وفاة الأمير سلطان بن عبد العزيز ــ رحمه الله رحمة واسعة ــ على ما قدم لدينه ووطنه والعالم أجمع.
سلطان بن عبد العزيز الرجل الذي تقاطعت فيه كل صفات النبل والكرم والقيادة والمحبة. قريب من الجميع الكبير والصغير، الغني والفقير، الرجل والمرأة، لا يراه ولا يعرفه أبناء السعودية إلا أبا لهم جميعا، قريبا من الجميع وحريصا على الجميع، دائم السؤال عن أحوالهم وهو المطلع عليها ولا تفارق محياه ــ رحمه الله ــ الابتسامة حتى في أحلك الظروف وساعات المرض.
سلطان بن عبد العزيز مدرسة إنسانية خيرية، وكما سماه الأمير سلمان بن عبد العزيز مؤسسة وجمعية خيرية إنسانية متحركة، شمل عطاؤه ومساعداته وخيره القريب والبعيد، القاصي والداني في كل المجالات والأزمان، وكان ــ رحمه الله ــ يعين الناس على نفسه في قضاء حوائجهم بقلبه وبابه المفتوح للجميع وفي كل الأوقات، ولعل الناس بعده يرددون قول الشاعر:
أبا خالد ضاقت ''الدنيا'' بعدكم
وقال ذوو الحاجات أين ''سلطانُ''؟
فما قطرت ''بالأرض'' بعدك قطرة
ولا اخضر بالمرويين بعدك عود
وما لسرور بعد عزك بهجة
وما لجواد بعد جودك جود

وحقيقة في مقام العطاء والجهود أن سلطان بن عبد العزيز كان هو الجود وكأنني بالندي والجود لو سئلا هل أنتما حران؟ لقالا: لا لكننا عبدان عند سلطان بن عبد العزيز رمز العطاء والخير والإحسان.
سلطان بن عبد العزيز فقيد العالم أجمع بشكل عام والعالمين العربي والإسلامي بشكل خاص، الإنسان العظيم الذي يتقبل العزاء فيه كل بيت لإحساس كل إنسان في السعودية وغيرها أنه يرتبط وينتمي لهذا الإنسان العظيم بكل الروابط والمحبة، وأكاد أن أجزم أن كل بيت في السعودية بكى سلطان الخير والعطاء وحالهم يردد:
فالناس كلهم لفقدك واجد
في كل بيت ونه وزفير
عجبا لأربع أذرع في خمسة
في جوفها جبل أشم كبير
لقد عاش المجتمع السعودي خلال الساعات الماضية سمة من الحزن غير مسبوقة لإحساسه بعظم الفاجعة وهولها ولكننا جميعا نحتسبه عند الله من الصالحين ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ــ سبحانه وتعالى ــ ''إنا لله وإنا إليه راجعون''، ونسأله أن يخلفه داراً خيراً من داره وأهلا خيراً من أهله. وعزاؤنا أنه ذهب لرب كريم سيحسن وفاده بحوله وقوته.
ما علمت قبل موتك
أن النجوم في التراب تغور
سلطان بن عبد العزيز مدرسة وجامعة متحركة في كل علم نافع وخير مستدام في القيادة قائد من الطراز الأول تتعلم منه كل فنون وأدوات القيادة وأدق تفاصيلها، قوي في الحق دون أن يفقد ابتسامته وسماحته، قيادي إداري صنع مع إخوته دولة حديثة في زمن قياسي أشرف بنفسه على قيادة جهازها المنظم لهذه الدولة العصرية، ووازى بين البناء المؤسسي المدني للدولة والقوة العسكرية الحديثة لها بما يحقق بعد توفيق الله ــ سبحانه وتعالى ــ النمو التنموي السليم المحمي بالقوة العسكرية.
لقد أسس ــ رحمه الله ــ للفكر الخيري الحديث مؤسسة تعنى بأدق وأهم التفاصيل الإنسانية فكم مصاب دخلها منقطع الرجاء وخرج منها وكله أمل وتفاؤل بحياة مشرقة بعد أن من الله عليه بالشفاء والعافية.
إن من حقه ــ يرحمه الله ــ أن ندرس كل الخصال العظيمة التي وهبها الله له ونجعلها حقا لكل متعلم في مختلف فنون وعلوم الحياة وأن تدرس للأجيال المقبلة بما ينفع البشرية جمعاء، رحم الله سلطان بن عبد العزيز رحمة واسعة لكل أثر وخير تركه في كل نفس ومكان وأن يكرم نزله ويوسع مدخله ويجعل قبره مد بصره روضة من رياض الجنة.
وأن يجازيه بالحسنات إحسانا وبالسيئات عفوا وغفرانا ورضوانا وأن يبدله دارا خيرا من داره وأن يحشره مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، إنه ولي ذلك والقادر عليه، و''إنا لله وإنا إليه راجعون''.

وقفة تأمل:
حكم المنية في البرية جاري
ما هذه الدنيا بدار قرار
بينا يُرى الإنسان فيها مخبراً
حتى يرى خبراً من الأخبار
طُبعت على كدر وأنت تريدها
صفواً من الأقذاء والأكدار!!
ومكلف الأيام ضد طباعها
متطلب في الماء جذوة نار
وإذا رجوت المستحيل فإنما
تبني الرجاء على شفير هار
فالعيش نوم والمنية يقظة
والمرء بينهما خيال سار
فاقضوا مآربكم عجالاً إنما
أعماركم سفر من الأسفار
وتراكضوا خيل الشباب وبادروا
أن تسترد فإنهن عوار

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي