الإنجاز والعطاء هما مقياس العمر

قراءة التاريخ ورجاله والتعمق في العطاء والتطوير والإنجاز والتأثير والتغيير في المجتمع أو المحيط الاجتماعي تتفق جميعها على أن العمر لا يقاس بعدد السنوات التي يعيشها الإنسان ولكنه بعدد الأيام التي استطاع أن يغير فيها مجتمعه وأن يكون ذلك التغيير والأثر إيجابيا طبعاً ولصالح إنسان الوطن أو البشرية عموماً.
لقد قرأت وأمعنت النظر في أعمار العظماء وفترات عطائهم ووجدت أن أكثر المغيرين والمطورين في مجتمعاتهم من القيادات والعلماء إلى أقل المراتب هم الأشخاص الذين قضوا الفترة الأقصر في العمل والأكثر من حيث الإنجاز والتغيير والتطوير، وأن كلما زادت فترة الشخص منهم قل عطاؤه ثم غاب ذلك العطاء ثم تحول إلى عطاء سلبي.
إن قياس عمر الإنسان لا يكون إلا بحجم ما قدم من عمل وإنجاز وعطاء لمجتمعه بشكل خاص وللعالم أجمع بشكل عام، وأذكر في هذا السياق ذلك العامل الذي يملك خبرة سنة استمر يعمل بها لأكثر من 40 سنة دون أن يقدم أي تغيير أو تطوير لعمله أو مجتمعه، ومع ذلك نجده كثير التضجر والعتاب على مسؤوليه بعدم ترقيته، ولم يدرك أنه لم يقدم لعمله ومجتمعه أي جديد، وأن كل ما يملكه هو خبرة سنة وكررها لمدة 40 سنة دون تطوير أو تجديد وبناء عليه ووفقاً لنظرية الإنجاز والفترة هو عمره لا يتجاوز بضعة أيام وربما هذا العمر أكله التقادم، ولهذا يمكن أن يقال ولد ومات ولم يقدم شيئا حقيقيا لمجتمعه.
إن طرح مثل هذا الارتباط بين العطاء والعمر والتذكير بأهمية ترك الأثر الإيجابي الذي يتركه الإنسان بعد مغادرته هذه الحياة، وأن هذا الأثر والعمل يكون حافزا وملهما للأجيال القادمة، إضافة إلى ما يتركه من فائدة وأثر إيجابي في عقبه من الأبناء والبنات والأحفاد والأسرة، وإذا أخذنا البعد الديني في العطاء فإنه يحقق أجري وخيري الدنيا والآخرة، لأن العمل الإيجابي المستفاد منه يبقى خيره للإنسان بعد وفاته، لقول المصطفى - عليه الصلاة والسلام: ''إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث''.. الحديث. وذكر منها ''علم ينتفع به''، ولهذا أوضح الله - سبحانه وتعالى - عدم فائدة العمل النافع لمن لا يؤمن بالله، كما جاء في سورة الكهف ''(102) ''قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً (103) الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً (104) أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا''، وهذه الآية شارحة ووافية في إيضاح النعمة التي تكون للمبدع والمنجز المسلم الذي يحقق أجري الدنيا والآخرة.
إن الاهتمام بالشباب من الجنسين وإيضاح أهمية استثمارهم لأعمارهم والعمل على تحقيق البناء الإنساني السليم لهم من خلال حسن التعلم والعمل وتقديم النماذج المحلية والإقليمية والعالمية للكفاءات المتميزة في مجتمعاتها التي كان لها الأثر الإيجابي في تطوير العلوم وبناء الإنسان وازدهار التنمية والحضارة الإنسانية.
إن إبراز الاهتمام بالكفاءات المتميزة في المجتمع وتسليط الضوء عليها وعلى إنجازاتها وعطاءاتها التي قدمتها للمجتمع وآثارها الإيجابية في تغيير وتطوير المجتمع ستكون - بإذن الله- خير ما يمكن أن نقدمه للجيل الجديد من الشباب من الجنسين المتعطش لمعرفة التجارب والنماذج الناضجة، حتى يستطيع أن يتعلم من تجاربها ويحاكي تلك التجارب بدلاً من تركهم يغوصون في تجارب أجنبية لا تحقق ما نأمله ونرجوه لمجتمعنا ومستقبل أيامنا.
إن المطلع على وضع الشباب اليوم وتأثرهم بالتجارب والنماذج الغربية والحراك الغربي في هذا المجال من خلال استخدام واستثمار واستغلال كل الوسائل المتاحة للوصول للشباب والتأثير فيهم بنماذج لا تخدم رؤيتنا وتوجهاتنا الوطنية سيؤدي إلى فجوة حضارية بين ما نريده من شبابنا في المستقبل وما تعلموه وعايشوه في أيامهم الخالية، وأنا متأكد أن ما ستواجهه تحديات التغريب أكبر بكثير مما سنعانيه من ثقافة التشدد والقمع وعدم الإحساس بالمسؤولية.
إن الرسالة التي يجب أن نحملها ضمن برنامجنا التنموي بناء الإنسان هو إيضاح أهمية الاعتناء بالعلم والتعلم والعمل ووضوح الصورة التي يرغب كل شاب وشابة أن يكون عليها في المستقبل ومساعدتهم على إيضاح الصورة ورسم الطريق السليم الذي يعظم الفائدة من كل حرف نتعلمه وكل عمل نعمله، حتى يبقى لنا أجرا الدنيا والآخرة.. والله من وراء القصد.

وقفة تأمل:
''لعمرك ما بالموت عار على الفتى
إذا لم تصبه في الحياة المعاير
وما أحد حي وإن كان سالما
بأسلم مما غيبته المقابر
ومن كان مما يحدث الدهر جازعا
فلا بد يوما أن يرى وهو صابر
وليس لذي عيش عن الموت مقصر
وليس على الأيام والدهر غابر
وكل شباب أو جديد إلى البلى
وكل امرئ يوما إلى الله صائر''

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي