حرية التعبير ليست حقا لأحد
تزايد ــــ في السنوات الأخيرة ــــ ميل الأجهزة الرسمية للملاينة وغض النظر في تعاملها مع أصحاب الرأي المختلف. وقد أثمر هذا عن تغير ملموس في المناخ الاجتماعي العام. إلا أن هذه التحولات تجري من دون تأسيس قانوني، ولا يمكن لأحد أن يستند إليها كحق مكتسب يمكن المطالبة به.
الوثائق القانونية التي لدينا ــــ وهي قليلة على أي حال ــــ تؤكد جميعا على حرية التعبير والنشر، لكنها ترهنها باشتراطات غامضة مثل الالتزام بالقوانين والشريعة والمصلحة العامة... إلخ. غموض هذه الاشتراطات وغياب اللوائح التنفيذية المؤسسة على أرضية ''الحقوق قبل التكاليف'' جعلت حق التعبير والنشر موضوعا إشكاليا، يخضع في منحه أو حجبه لرأي الإداريين في وزارة الإعلام أو غيرها. وشهدنا في الأسبوع الماضي تفسيرات لهذا الحق صدرت عن أحد القضاة، استند في حكمه إلى اجتهادات معروفة في الشريعة، لكنها غير مدونة كجزء من القانون الرسمي للبلد.
القنوات التلفزيونية المحلية هي مثال واضح على ما ذكرناه. طبقا لنظام المطبوعات فإنه يمنع إصدار صحف أو إنشاء إذاعات أو محطات بث تلفزيوني دون ترخيص. رغم ذلك فهناك ما يزيد على 40 قناة فضائية يملكها أفراد سعوديون (عدا الشبكات الكبيرة مثل MBC, ART, Orbit). من بين تلك القنوات، هناك 12 قناة على الأقل تعمل وتبث برامجها داخل البلاد. هذه القنوات ليست مرخصة في إطار نظام المطبوعات والنشر القائم. لكنها أيضا ليست ممنوعة. الأجهزة الرسمية تعرف بوجودها وتعرف مقراتها وأصحابها ومصادر تمويلها والعاملين فيها، وهي بالتأكيد تراقب برامجها. وتعلم أيضا ــــ وهذه هي الزبدة ــــ أن أيا من هذه القنوات ليس مرخصا في إطار نظام المطبوعات. مع ذلك فإن الوزارة لم تطلب من أصحاب تلك القنوات إغلاق أبوابها ــــ التزاما بالنظام المذكور. بعبارة أخرى، فإن تركها عاملة لسنوات، يجعلها أشبه بالمرخصة وإن لم تحصل على ورقة الترخيص الرسمي. إنها إذن في منطقة رمادية بين المنع والترخيص. يمكن لوزارة الإعلام إغلاق أي من هذه القنوات في أي وقت تشاء رجوعا إلى أنها غير مرخصة. وهذا ما فعلته مع قناة الأسرة في أيلول (سبتمبر) 2010. أو يمكن لها أن تواصل الصمت عن عملها حتى حين. في المنطقة الرمادية يغيب الاستقرار والاطمئنان الضروري للاستثمار والتطور. أصحاب تلك القنوات لا يعتبرون وضعهم نهائيا وثابتا، ولذا فهم لا يميلون إلى ضخ استثمارات مكثفة لتطوير برامجهم أو توظيف أعداد كبيرة من العاملين.
من الصعب على أي أحد إغلاق جميع القنوات التلفزيونية العاملة اليوم، حتى بحجة عدم الترخيص. لكن ــــ من ناحية أخرى ــــ فإن بقاءها في المنطقة الرمادية يضعف من هيبة القانون الوطني. وأظن أن الحل المناسب هو إلغاء نظام المطبوعات القديم ووضع نظام جديد يسمح بالإعلام الأهلي المستقل وفق معايير جديدة، أهمها اعتبار التعبير عن الرأي حقا مكتسبا لجميع المواطنين، يحميه القانون وينظم استعماله.