تضامناً مع هتون
<a href="mailto:[email protected]">naila@sma.org.sa</a>
مقالة الزميلة الدكتورة هتون الفاسي في جريدة "الاقتصادية" العدد 4732 يوم الإثنين 3 رمضان 1427هـ، عن "نظام الجمعيات ومجلس الشورى" كانت أكثر من رائعة وتناولت الجوانب القانونية والتنظيمية الواقع والمأمول من وجهة نظرها، كما تم طرح معلومات جديدة عرفتها للمرة الأولى. فجزاها الله خيراً على طرح الموضوع.
وتضامناً مع الزميلة أضم صوتي إلى صوتها مطالبةً بجميع البنود التي ذكرتها، والذي أرغب في ذكره هو التعليق من الناحية الإنسانية.
فأولاً وأخيراً جميع الجمعيات بأنواعها الخيرية والمهنية والعلمية يتم إنشاؤها لخدمة وتطوير المجتمع, ومصطلح المجتمع المدني مأخوذ من كلمتي المجتمع والمدنية، وهو أسلوب حضاري للمشاركة الشعبية في مساندة الحكومات لخير الأمة.
وهذه الجمعيات لا تقوم بمجهود فردي بل هي نتاج مجهود فكري ومالي وزمني لمجموعة من الأفراد الذين نذروا أنفسهم لخدمة غيرهم بدون مقابل مادي ولا ينتظرون أيضاً الشكر والعرفان.
وأنا أعرف هذه الشخصيات حق المعرفة فلقد عاصرت تكوين وإنشاء عدة جمعيات منها الخيرية والعلمية والمهنية خلال السنوات العشر الأخيرة.
هم أفراد جمعهم حب الخير لبلادهم وإخوانهم وأخواتهم من المسلمين جمعهم الحب لهذا الوطن الذي يتجسد في الرغبة في تطويره وتنمية الفرد المحروم، ومواصفات هؤلاء الأفراد متماثلة نوعاً ما، فهم يأتون من الطبقة المتوسطة والمرتفعة مادياً وبخلفية اجتماعية معروفة وغالباً مستوى تعليم عال، ومع أن فرصهم المادية والعلمية والاجتماعية كانت كبيرة ومتوافرة ولم يكونوا في حاجة إلى مزيد من الفرص لإثبات قدراتهم لكن حب الخير الذي يعمر قلوبهم جعلهم يسعون إلى مشاركة الآخرين في هذه الفرص.
الرغبة في الأجر والثواب قد يكون من أهم العوامل المؤثرة في قرار إنشاء مثل هذه الجمعيات ولكن أيضاً الرغبة الخالصة في مساعدة الآخرين هي السبب الأساسي والشعور بأن هناك رسالة يحملها كل منهم قد تكون تقديم العلم أو العمل أو المال أو جميعها.
لماذا يقوم مثل هؤلاء الأفراد باقتطاع الوقت والمال والجهد لعمل الاجتماعات وتأسيس المشاريع وتقديم كل ما هو ممكن تقديمه إذا لم يكن إخلاص في العمل لوجه الله سبحانه وتعالى.
ما الذي يجعل ربة منزل مصونة مكرمة منعمة مرفهة تخرج من منزلها للعمل في هذا المجال، ما الذي يجعل سيدة عاملة ترجع من عملها متعبة وتنتظرها واجبات منزلية كثيرة من الخروج بعد انتهائها من هذه الواجبات للمشاركة في هذا المجال؟
ما الذي يجعل الرجال يضحون بالوقت لحضور اجتماعات طويلة مملة لإنشاء مثل هذه الجمعيات؟ الدافع المحرك لكل هؤلاء هو الرغبة في العطاء والإحساس بنشوة السعادة عند رؤية نجاح هذا العطاء فيما هو مستهدف. الدافع المحرك هو الرغبة في الانتماء إلى مجموعة تعمل لأهداف سامية تحقق إنجازات يعجز الآخرون عن تحقيقها، هذه الدوافع هي مقياس لاحترام الذات والرضا عن النفس والشعور بالأهمية.
قد يكون هناك من يرغب في الاستفادة بطريق غير مباشر من المشاركة في مثل هذه الجمعيات وما المانع؟ فلا يوجد قانون يمنع الفرد من العمل للغير ولنفسه في نفس الوقت إذا كان الهدف النهائي يتحقق وهو خدمة الآخرين وقد يكون هو فرد من الآخرين.
والآخرون هنا هم المحرومون قد يكونوا محرومين اقتصادياً أو اجتماعياً أو علمياً أو حتى محرومين من الحصول على المعلومات التي تجعل مستوى معيشتهم أفضل.
وقال صلى الله عليه وسلم "إن لله عبادا اختصهم بقضاء حوائــج الناس. حببهم إلى الخير وحبب الخير إليهم أولئك الآمنون من عذاب اللـه يــوم القيامة".
وقال صلى الله عليه وسلم "الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه"
ألا يكفي ما يقدمه هؤلاء من ذوي العطاء للآخرين لكل ما هو ممكن، لكن يظهر أمامهم ما يحد من عملهم ويكبح جماحهم ويقف أمامهم يؤخرهم أو يمنعهم من إتمام مرادهم بسبب شدة تعقيد القوانين والتنظيمات.
ألا يستحقون التهنئة والمساعدة والدعم الذي يتمثل في توفير القوانين والتنظيمات المريحة والمعقولة, ولنستفد دائماً من تجارب الدول الأخرى التي لها السبق والخبرة في هذا المجال، فلا توجد فائدة من البدء من جديد بل نبدأ من حيث انتهت الدول ذات التجارب الناجحة.
والواقع أن عدد وتنوع جمعيات المجتمع المدني في أي دولة هو مقياس حرارة ترمومتر يظهر تقدم وتطور ورقي هذا المجتمع فهو دلالة على وجود القلب والضمير والعقل فيه.
والدليل على ذلك أن تاريخ المجتمع الإسلامي كان ذاخراً بمؤسسات مدنية مثل ما ذكر الشيخ العلامة الفاضل القرضاوي في كتابه عن الأوقاف الإسلامية، الذي يعتبر دليلا على تطور وقوة وعز الأمة الإسلامية.
لذا أضم صوتي ومرتفعاً تضامناً مع الزميلة هتون فقد وصلنا إلى مرحلة لابد أن نستعمل فيها جميعا هذا القلب وهذا الضمير وهذا العقل. ونطالب ونعمل جميعاً لتنمية قطاع جمعيات المجتمع المدني.