الملك عبد العزيز ومفهوم بناء الدولة (1 من 3)

عندما كتبت عن موقف الملك عبد العزيز - رحمه الله - ورؤيته لمعالجة الأحداث الدامية في سورية قبل أكثر من 70 عاما، أثناء لقائه الوفد السوري القادم لأداء مناسك الحج عام 1946، وما أوضحه - رحمه الله - للوفد من أهم الأدوات التي يجب الأخذ بها لتحقيق الاستقرار والاستدامة لبناء وازدهار أي دولة، وأجمل تلك النصائح والتوصيات في عدد محدد وواضح منها:
1 - السير على النهج النبوي والخلافة الراشدة في إدارة شؤون البلاد والعباد.
2 - إن تحقيق التنمية السليمة والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لأي دولة، لا يتم إلا بالتضامن والتساند والطاعة، انطلاقاً من قول الله سبحانه وتعالى "وأطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم"، وقول المصطفى - عليه الصلاة والسلام - "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
3 - الاعتماد على النفس بعد الاعتماد على الله - سبحانه وتعالى - لأن ذلك أقوى وأعظم لتحقيق النصر وضمان البقاء. والاعتماد على الغير له من السلبيات والآثار غير الإيجابية الشيء الكثير، والشاهد اليوم في عديد من دول العالم التي اعتمدت على غيرها في كثير من شؤون الحياة.
4 - التأكيد على أن الحرص على مصلحة الوطن وتحقيق الرفاهية والتنمية لإنسانه ومكانه هو المطلب الحقيقي لكل الشعوب، وهو الضامن بعد الله - سبحانه وتعالى - لقياداتها وحكوماتها الاستقرار والاستمرار والعطاء وضمان التفاف الشعوب حول قياداتها، وإذا حرصت القيادة على الكراسي كما قال الملك عبد العزيز - رحمه الله - للوفد السوري، فإن ذلك مؤشر لخلل عظيم مؤد إلى إبعاد الصادق الأمين وتقريب الخائن الضعيف، الذي يحرص على نقل الصورة التي يرغب القائد في سماعها، وهو ما أكدته الأحداث دائما، خصوصا في عهدنا الحاضر. وما حدث في إيران في نهاية القرن الماضي وما حدث في تونس ومصر وليبيا واليمن ويحدث حاليا في سورية، ما هو إلا نتيجة حتمية لتمسك وحرص القيادات فيها على البقاء على كرسي الرئاسة وعدم الاستماع لمطالب واحتياجات الشعوب، ولهذا جاءت نصيحة الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - للوفد السوري قبل 70 عاما وكأنها نصيحة لوفد سوري اليوم، كما أوضح - غفر الله له وطيب ثراه - أن الحرص على الكراسي سيؤدي إلى ذلة الوطن، وهو ما نراه أيضا اليوم بشكل واضح وجلي في كل ما يحدث حولنا من أحداث.
5 - أكد الملك عبد العزيز - رحمه الله - على الوفد السوري أهمية تحقيق التوازن بين المصالح الخاصة والعامة، عندما أشار عليهم بالحرص على العمل للأنفس والوطن، بقوله "اعملوا لأنفسكم وأوطانكم". أي أن التوازن في كل الأمور ما هو إلا دليل الخير والاستقرار والنماء في الأمور الخاصة والعامة، وهذا ما أكده ديننا الحنيف بقول الله تعالى "وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين".
هذه النصيحة العظيمة للملك عبد العزيز - رحمه الله - توضح عمق الفهم الإنساني للنفس البشرية المجبولة على حب الذات، ولهذا لم يقل للوفد احرصوا أو اعملوا على مصالح أوطانكم فقط لعلمه أن ذلك غير ممكن، لكنه جعل النصيحة بتحقيق التوازن بين الأمرين أو الشأنين.
إن ما قدمه الملك عبد العزيز من دروس قيادية للوفد السوري وغيرها كثير، يجب أن تكون ضمن برنامج إداري تطويري تنموي لجميع من يرغب العمل في الشأن العام أو الخاص أو غيرهما، لأن المشاهد اليوم - مع الأسف الشديد - هو حرص الجميع - إلا من رحم ربي - على تحقيق المكاسب الشخصية من شهوتي المال والمتعة. والمراقب الحصيف يلاحظ الاندفاع اللاعقلاني على جمع الثروة المالية بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة والتمتع المشين بها دون الإحساس بأهمية الوطن ومتطلباته واستقراره، وكأن تحقيق الاستقرار والاستمرار والاستدامة لا يتم إلا من خلال جمع الثروات الشخصية حتى إن كان بطريقة تسيء للوطن واستقراره.
وللحديث بقية لاستنباط بعض الدروس المهمة من لقاء الملك عبد العزيز - رحمه الله رحمة واسعة وبعثه مع النبيين والشهداء والصالحين - ووفق الله الجميع لما يحب ويرضى.

وقفة تأمل
«عبد العزيز الذي نالت به شرفا
بنو نزار وعزت منه قحطان
مقدم في المعالي ذكره أبدا
كما يقدم باسم الله عنوان
ملك تجسد في أثناء بردته
غيث وليث وإعطاء وحرمان»

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي