تكدس مدينة الرياض .. حلول خارج الصندوق

يشتكي سكان مدينة الرياض، يوميا من الازدحام المتزايد في الشوارع، هذا الازدحام الذي يبدأ مع خيوط الفجر يوميا، ولا ينفضّ سامره -إذا انفض- إلا بعد منتصف الليل، ازدحام شوارع وطرقات الرياض لا يمكن أن يتخيله إلا من عاش فيه ومعه! وهو بالتأكيد ازدحام لا يليق بعاصمة أكبر دولة بترولية في العالم.
في الرياض تبدو السيارات واقفة أو شبه واقفة وهي تسير في الطرقات، من طرائف مدينة الرياض أن أبطأ الطرق سيرا هي الطرق السريعة، فالدائري بمحاوره الثلاثة الرئيسة: الشرقي والشمالي والجنوبي، يكاد سير السيارات فيه يكون على الواقف، ولا يتفوق عليه في ازدحام السيارات وبطء السير إلا محورا الرياض الرئيسان: طريق الملك فهد الشمالي الجنوبي، وطريق خريص -مكة الشرقي الغربي.
عند تحديد مواعيدك في مدينة الرياض فيجب أن تحسب جيداً المدة التي ستقضيها في سيارتك على الطرقات بين هذه المشاوير، ومن المخاطر غير المحسوبة أن تحدد أكثر من موعد في مناطق متباعدة في يوم واحد.
ازدحام الرياض يكلف الاقتصاد الوطني ملايين الريالات محسوبة على أساس تكلفة الوقت الذي يضيعه المواطنون والمقيمون في سياراتهم، ناهيك عن التكاليف الاجتماعية والصحية المترتبة على بقاء الناس متسمرين في هذه الصناديق الحديدية ساعات طوالا يومياً.
المشاريع التخطيطية لمدينة الرياض قائمة على قدم وساق للتخفيف من هذه المشكلة، لكن يشوبها عيبان كبيران، الأول أنها تأتي غالباً متأخرة، والآخر أن تنفيذها يسير بوتيرة بطيئة جداً.
قطار الرياض تم اعتماده أخيراً، لكنه يحتاج إلى سنوات لا أبالغ إذا قلت: إنها لن تقل عن العشر حتى يكون المخطط الكامل للقطار قد تم إنجازه، وإذا تم خلال هذه الفترة فهو إنجاز قريب من الإعجاز، إشكالية القطار أنه سيقلب طرقات الرياض رأساً على عقب، وهو على ثلاثة مسارات، على الأرض وفي أنفاق تحت الأرض وعلى جسور فوق الأرض، كيف ستكون شوارعنا خلال هذه الفترة؟
المنطق يفرض تكوين غرفة عمليات خاصة لإدارة عمليات الطرق وتحويلات الشوارع التي ستتم خلال فترة إنشاء القطار وجدولتها، التي يجب أن تكون مختلفة تماماً عن العقلية التي تدير شوارع الرياض اليوم مرورياً ومواصلاتياً، ومن المهم الاستعانة بالخبرات الأجنبية التي قامت بمشاريع مماثلة فيها سواء في الشرق أو في الغرب، وقد يكون مترو دبي أقرب تجربة في محيطنا من حيث تأسيس خطوط القطار من العدم.
كجزء من الحل لمستقبل مواصلات الرياض، فإني أقترح ثلاثة اقتراحات:
الأول: أن يتم نقل مجموعة كبيرة من المؤسسات الحكومية والأهلية إلى خارج الرياض، خاصة أن علاقتها بمدينة كالرياض ليست موجودة، وبالتالي نقل هذه الدوائر يخفف من الضغط السكاني على مدينة الرياض، كما أنه يعزز من الوضع السياسي والاقتصادي للمدن الأخرى، ومن أهم هذه الدوائر:
- وزارة الحج، ومكانها الطبيعي في مكة المكرمة.
- وزارة البترول والثروة المعدنية ومكانها الطبيعي في الظهران.
- وزارة الزراعة، وأقترح نقلها إلى القصيم أو الأحساء أو جازان.
- الهيئة الملكية للجبيل وينبع ومكانها الطبيعي في الجبيل أو ينبع.
- الهيئة العامة للسياحة والآثار أقترح نقلها إلى المدينة المنورة.
- المؤسسة العامة للتحلية، ومكانها الطبيعي في جدة أو في الخبر.
- المؤسسة العامة للموانئ ومكانها الطبيعي في جدة أو في الدمام.
- المؤسسة العامة للصناعات الحربية ومكانها الطبيعي في الخرج.
- المؤسسة العامة للخطوط الحديدية وأقترح نقلها إلى المدينة أو حائل.
- القوات البحرية ومكانها الطبيعي على سواحل غرب المملكة أو شرقها.
- شركة سابك، التي يفترض أن تنقل إلى الجبيل.
الاقتراح الثاني: أن تتم زيادة فاعلية بعض الطرق الرئيسة التي وصلت إلى الذروة في طاقاتها الاستيعابية، وذلك بأن يتم بناء دور ثانِ عليها، ويكون الدور الثاني قليل المخارج، والطرق التي لها الأولوية في تطبيق هذا المقترح هي التي تم ذكرها في بداية المقال، وهي طريق الملك فهد وخريص والدائري بمحاوره الثلاثة الشرقي والشمالي والجنوبي.
الاقتراح الثالث: بناء الضواحي خارج الرياض، ولن يتم ذلك إلا بتأسيس فروع لجميع الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية والحكومية فيها، كما يمكن أيضا نقل بعض المصالح والمؤسسات الحكومية وتوزيعها فيها بدل تكدسها حاليا في طريق الملك فهد وشارع المعذر وشارع المطار القديم، وأقترح هنا بعض الضواحي القريبة، مثل: منطقة بنبان، المزاحمية، الجبيلة، والثمامة.
هذه المقترحات محاولة لشحذ التفكير خارج الصندوق بعيداً عن الحلول التقليدية، التي تم تنفيذ معظمها وفشلت في حل مشاكل مواصلات الرياض، وكان السبب الرئيس أن تنفيذ الحلول بالطرق التقليدية مهما بلغت، لا يتناسب مع سرعة نمو هذه المدينة العملاقة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي