وعي المواطن وتحقيق التنمية
التنمية بشكل عام تعتمد وترتكز - بعد توفيق الله - إلى عديد من العناصر المحققة لأهدافها، ويأتي وعي المواطن وإدراكه لأهميتها وأهمية شراكته فيها، عنصرا فاعلا ومهما وإيجابيا لتحقيق تلك الأهداف، ويؤكد الباحثون والمهتمون بالشأن التنموي أن أحد أهم معوقات التنمية هو غياب الوعي بأهمية شراكة المواطن في معرفة أهداف التنمية، ويذهب البعض منهم إلى أهمية مشاركته في إعدادها وتحديد أهدافها ومخرجاتها ومتابعتها، بحيث يكون شريكا ورقيبا على أدائها، وهو ما يضمن - بعد توفيق الله - تحقيق التكامل التنموي بين أطياف المجتمع ومؤسساته العامة والخاصة والأهلية والأكاديمية والإعلامية.
إن أكثر ما يلفت النظر في برنامج التنمية في السعودية وكثير من دول العالم، هو غياب الشراكة المجتمعية في تحديد متطلبات وأهداف التنمية، خصوصا ما يتعلق بمتطلباتهم، ولهذا يصبح المواطن وفقا لذلك عدوا للتنمية، وفي أضعف الأمور معارضا لها وغير داعم أو حام لها، وخير مثال يمكن استحضاره ما نسمعه من كثير من المواطنين عن أي مشروع ينشأ لخدمتهم أنه ''مال الحكومة''، وهذا المصطلح يعني عدم الاهتمام بهذا المشروع أو حمايته من العبث أو التخريب، حتى إن كانت تلك المشروعات هي لخدمتهم مباشرة مثل المستشفيات والمدارس والحدائق والطرق، ويعظم هذا الأثر السلبي غياب التوعية الإعلامية والمجتمعية لمثل هذه التصرفات غير المسؤولة التي تفقد المواطن كثيرا من المقدرات المباركة.
إن وعي المواطن بأهمية دوره في تحقيق التنمية وحماية مكتسباتها سيعزز من الاستفادة من تلك المشروعات ويمد في عمرها الافتراضي لتقديم مزيد من الخدمات بشكل أفضل بدلا من تخريبها والعبث فيها، وهنا تبرز أهمية الوعي المجتمعي وتعزيز الشعور بالمسؤولية المجتمعية لحماية المكتسبات الوطنية أو ما يمكن تسميته ''حماية الأملاك العامة'' من التخريب والعبث أو السرقة في بعض الأحيان.
إن تزامن الاهتمام بتعزيز وتقوية دور المواطن في شراكة حقيقية مع صناع استراتيجيات التنمية سيعزز إحساسه بمسؤوليته عن تنفيذها، ويقابل ذلك أهمية زرع ثقافة الوعي المجتمعي أو وعي المواطن بدوره في حماية قريته أو مدينته ووطنه من الإفساد، ولعل توجيه المصطفى - عليه الصلاة والسلام - بأهمية النظافة بقوله ''إماطة الأذى عن الطريق صدقة''، وقوله عليه - الصلاة والسلام ''كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته''، وغيرها من التوجيهات النبوية المؤكدة على أهمية الوعي والإدراك بحجم ونوع المسؤولية الملقاة على عاتق كل واحد منا من موقعه الذي يعمل ويعيش فيه، وهي رسالة تحمل المسؤولية المشتركة على الكبير والصغير، الرجل والمرأة، المواطن والمقيم.
إن وعي المواطن بمسؤوليته وإدراك المسؤول أهمية هذا الوعي، سيحقق المعادلة الأصعب المتمثلة في زرع الشراكة بين الواجب والمسؤولية، أو بمعنى آخر هو تعزيز مفهوم المواطنة السليمة الصالحة المنتجة التي تضمن بعد توفيق الله - سبحانه وتعالى - ترابط جميع أطياف ومؤسسات المجتمع بعضها ببعض، وإحساس كل طرف بمتطلبات الآخر وأهمية عطائه وإنجازه، والعمل جميعا على حماية المنجزات وتحقيق استدامتها بما يضمن استفادة الجميع منها، خصوصاً الأجيال القادمة، لأن ما نراه اليوم من حجم الإنفاق على مختلف المشروعات الإنسانية والمكانية، يتطلب جهد موازياً أو أكبر للتوعية وتعزيز الشراكة المجتمعية، وحماية وصيانة الأملاك العامة والخاصة.
إن وعي المواطن المحقق لأهداف التنمية، مسؤولية عظيمة تتطلب الالتفات لها، وهذا العمل يجب ألا نتأخر في تنفيذه، خصوصاً مع المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية التي تحيط بنا، والتأثير الإعلامي الدافع نحو السلبية والإحباط وعدم المبالاة، وهو ما يؤدي إلى مزيد من الفجوة بين المواطن والمسؤول، ويعزز من مفهوم التنمية السلبية أو ما يسمى التنمية الرعوية، التي يتوقع طرف من الطرف الآخر أن يقدم له كل شيء وهو لن يقدم أي شيء، وهذا ما يحذر منه المختصون بالشأن التنموي.
إن تعزيز دور المواطن في صناعة التنمية والعمل على توعيته ومشاركته في إعدادها وتنفيذها وحمايتها، لم يعد ترفا فكريا، إنما واجب وطني تأخيره لا يحمل الخير لهذا الوطن الغالي. وفق الله الجهود التي تعمل من أجل وطن سعودي الانتماء، عربي اللسان، إسلامي المعتقد وعالمي الطموح.