أوقاف الزلفي وتسمية المساجد!

[email protected]

قبل شهرين، لفت نظري خلال جولة على معالم محافظة الزلفي، أن وجدتُ مسجداً جديداً يحمل اسم الشيخ محمد العْمَر، ففوجئت بذلك واستغربت! وقلت: كيف وافقت إدارة مساجد الزلفي على هذه التسمية؟ ذلك أننا لم نعتد منها المبادرة في تسمية المساجد بأعلام ورجالات المدينة، بل حتى المساجد التي كانت تحمل أسماء عائلات ورجالات أشادوها وعمروها، طيلة عقود، طُمست أسماؤهم، واستبدلت بغيرهم! من قبل الإدارة نفسها، ولستُ أدري ما الفرق بين الأسماء الجديدة التي وزعتها الإدارة والأسماء التي كانت تحملها المساجد قبلُ ؟! فمثلاً هناك جامع قديم، يحمل اسم (جامع العيد) نسبة إلى الأسرة الكريمة التي تولت رعايته وإمامته، ومع ذلك تم تغييره إلى اسم لا أحفظه الآن - لأنني من الذين ينادون بالتشبث بالأسماء التاريخية وعدم الالتفات إلى التسميات الحديثة- علماً بأن أسرة العيد، التي يُنسب إليها الجامع، قد توارثت إمامته على مدى ستة أجيال، بدءاً من الجد عيد بن عودة، الموجود إلى منتصف القرن الثالث عشر الهجري، ومع ذلك لم تشفع لهم هذه الخدمة الطويلة والجليلة بأن يُسمّى الجامع باسمهم. ومثال آخر في مسجد "العليوية" الموجود في البلدة القديمة، والمنسوب إلى مزرعة الأُسرة الكريمة العليوي، وهو مسجد قديم وعليه أوقاف باسمه التاريخي، ومع ذلك تم تغيير مسماه، ولم تشفع له أوقافه بأن يتم الإبقاء على مُسمّاه القديم والجميل!
قبل العودة إلى الشيخ محمد العمر والتعريف به، أقول إن هذا الطمس للأسماء التاريخية للمساجد، لم يكن قصراً على الزلفي وحدها، بل هو ظاهرة عامة، شملت أغلب المدن والقرى، نتيجة هيمنت التشدد الذي ظهر في المجتمع السعودي خلال العقدين الماضيين. وفي هذا الصدّد، أستعيد هنا ما ذكره راوية عنيزة الشيخ عبد الرحمن البطحي، رحمه الله، في حوار أجريته معه، ونُشر في هذه الصحيفة، حيال التسمية الجديدة لجامع عنيزة، الذي ظلّ ولمدة ثمانية قرون يحمل اسم "جامع الجراح" نسبة إلى آل جرّاح. يقول البطحي: جامع الجراح العريق، هو أول جامع أنشئ في عنيزة، ويمثل رمزاً تاريخياً لهذه المدينة العريقة، وكان يجب بقاء اسمه على ما كان عليه، لأنه من ثوابت تاريخها، التي يجب أن تبقى على امتداد الأجيال المقبلة، وعلى الرغم مما للشيخ العثيمين من جلالة قدر وعظمة مكانة، إلا أنه لا يجب تغيير اسم الجامع ونسبته إليه ولا إلى غيره، وقد أخطأ من فعل هذا، فالرموز التاريخية للمدن والقرى يجب أن تبقى على ما هي عليه، لأنها ليست ملك فئة معينة ولا جيل معين، بل هي للأجيال والتاريخ على امتداده!
أما الشيخ محمد بن عمر، الذي سررتُ بإطلاق اسمه على أحد مساجد الزلفي، فهو أبرز معلم كتاتيب، ويدين له الكثيرون بالفضل والعرفان، فقد ظل معلماً لعقود طويلة في الجامع الكبير، وليس غريباً أن تجد في بعض بيوتات الزلفي ثلاثة أجيال متتالية درست عند ابن عمر، أي أنه درَّس الأب ثم الابن ثم الحفيد. وإلى جانب عمله معلماً، فقد كان مؤذناً، وظل صوته شجياً يُحلق في سماء الزلفي في تلك العقود الخوالي، وقد اعتاد أهل الزلفي سماع صوته المُميّز، ولاسيّما حينما يرتفع لحظة الإفطار في شهر رمضان الكريم. وقد درس على يديه المئات من أبناء الزلفي، خاصةً ممن يمثلون الطلائع الأولى من المتعلمين، ومن بين تلاميذه وزير وعلماء ومشائخ وقضاة ومثقفون!
عبدالله الطريقي، الوزير والخبير البترولي، وقضاة تمييز، كعلي الرومي ومحمد البداح، وشاعر ثائر متمرد ذو نزعة اشتراكية كعبدالرحمن المنصور، وصحافي شارد كعثمان العمير، كلٌ له مشربه ومنبعه، لكنهم في البدء تلامذة ابن عمر! وبعد: ألا يستحق هذا العلم أن يُسمّى باسمه مسجد؟!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي