إذا أنتم بخير أنا بخير

ليس بالضرورة أن يعطيك أحد شيئاً من متاع الدنيا لسبب أو آخر فيكون محبوباً عندك، فبعضهم يوقد ولو بمجرد كلماته حياتك كلها، فللكلمة تأثير في النفس لا يختلف عن تأثير أكبر الأشياء في الدنيا، بل ويبقى أثرها عالقاً وإن تطاولت عليها الأيام والسنون، بل لنقل، إنها هي من يتطاول على الأيام والسنون، فتبقى في أعز مكان في الذاكرة.
''إذا أنتم بخير أنا بخير''، كلمات يعرفها كل سعودي، ليس لأنها صادرة من الملك عبد الله فقط، وإنما لأنها كلمات تختزل معنى الأبوة، وتعطيك شعوراً أن القائد معك، قريب من همك، يسمعك، يخفف عنك، في سؤال دائم عن أخبارك وعما يصلحك، فتقر عيناً إلى الدرجة التي لا يمكن أن تشعر معها بحزن، ولا تفكر بغير العطاء، فقط ليكون من قالها بخير مثلما هو يحب أن تكون بخير.
نحتاج أحياناً إلى أن نبتعد عما اعتدنا عليه من الكتابات المختلفة في عالم الصحافة، ونلتفت الى تلّمس نعم تحيط بنا، وتستوجب منا الشكر والعرفان، لذلك اخترت أن يكون مقال اليوم بعيداً بعض الشيء عما اعتدنا في الكتابة عليه من شؤون الاقتصاد، قريباً من أنفاس نكن لها العرفان، ونحتفظ لها بالولاء وجميل المحبة والاحترام.
بهذه الكلمات: ''إذا أنتم بخير أنا بخير'' نعرف يقينا أن الملك الوالد يعطي الأولوية للمواطن، فهو الأول في قائمة اهتمامات الملك عبد الله بن عبد العزيز خادم الحرمين الشريفين، ويقر قاعدة مهمة في جدول أعمال كل مسؤول، وهي أنكم هنا لخدمة أبناء المملكة، فكونوا معهم، عوناً لهم، ولو أخذ الجميع بهذه المسؤولية الجسيمة لكنا أقرب ما نكون إلى التميز، والنجاح، والأوائل في سلالم الحضارة والتقدم.
لذلك نحتاج إلى أن نفهم بعض معاني هذه الكلمات التي تدعونا ضمنيا إلى عدم تغليب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة لكي يتغير الحال إلى أحسن حال، فحتى قوانين الشرع في ديننا الحنيف تدعو إلى تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، فكل المشكلات التي حدثت في الدول المجاورة من حولنا لا سيما التي تسمى بدول بالربيع العربي، كان سببها الأول تغليب المصلحة الخاصة على العامة، فقد كانت هناك فئة قليلة من المجتمع تزداد غنى وباقي المجتمع يزداد فقراً، حتى اختفت الطبقة الوسطى من المجتمع وكثر الفقر بين الناس وقلت الحيلة، وكان المسؤول في هذه الدول لا يحرك ساكناً، ولم يقل كما قال ملك الإنسانية: ''إذا أنتم بخير أنا بخير''.
يقول الرسول ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ في الحديث الشريف: ''كلكم راع وكلكم مسؤولٌ عن رعيته''، لو تأملنا هذا الحديث، أنت مسؤول عن نفسك وعن تصرفاتك فيجب عليك تهذيب هذه النفس والارتقاء بها، ولو طبق هذا الحديث في قواميس المسؤولين بحذافيره لأصبحنا أسرة كاملة، فمن يزرع حب الآخرين ويقدمهم على نفسه يعود ذلك الخير عليه أيضاً، والعكس بالعكس.
فلو عمل كل مسؤول بما فيه مصلحة المواطن أولاً لتغير الحال، وكان لنا أجمل مثل في ملك الإنسانية حين حدثت كارثة سيول جدة، قال والدنا الملك عبد الله: ''إن دولة بإمكانيات المملكة والنعم التي أنعم الله علينا بها لا يقبل أن يحدث بها هذا''، إنه يوجه ويقول للمسؤولين: أين البنية التحتية؟، وأين معايير السلامة؟، ثم أيها المسؤول، ألم نتعلم بعد أننا معرضون إلى مثل هذه الكوارث في كل مرة، أم أن الحال قد أعجبنا، ولا بد أن نحتاج في كل مرة إلى قرار من أعلى المستويات لكي نؤدي ما علينا، إذن ماذا تفعل أيها المسؤول إن كانت كل مسؤوليتك انتظار القرار؟، أين دورك؟، وإلى متى؟.
لكن في وسط هذه ''الدلجة'' كما يقال، أتمنى أن يستمر وزير الإسكان في قراره ويفضل المصلحة العامة على المصلحة الخاصة بفرض الرسوم على الأراضي البيضاء، فالناس اليوم لا تستطيع أن تتملك مسكناً مهما كان دخله، لأن متوسط الدخل في المملكة لا يتجاوز ثمانية آلاف ريال سعودي، ومع المقارنة بأسعار الأراضي أصبح تملك الأراضي أو المسكن أقرب ما يكون إلى حلم من واقع.
رسالة إلى كل مسؤول في هذا الوطن الغالي، قبل أن تتخذ أي قرار اسأل نفسك وراجعها مراراً وتكراراً هل هذا القرار للمصلحة العامة أم للمصلحة الخاصة، وعندما تتأخر في اتخاذ أي قرار اسأل: هل هذا يؤثر في المصلحة العامة أم المصلحة الخاصة؟، وإذا أخطأت اعترف بخطئك وصححه لأن هذا من المصلحة العامة، وليكن الملك عبد الله بن عبد العزيز ـــ حفظه الله ـــ قدوتنا في هذا، ونكون جميعا بخير ونحن نبتهج بكلماته: ''إذا أنتم بخير أنا بخير''. والسلام.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي