مضاعفة الثواب في الحرم (2من2)
روى الإمام أحمد بسند صحيح عن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة في قصة صلح الحديبية وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في الحرم وهو مضطرب في الحل"، والمراد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صد عن دخول الحرم إذا حضر وقت الصلاة صلى في الحرم، أي داخل حدود الحرم وهو مضطرب لصد المشركين له عليه الصلاة والسلام وهو مقيم في الحل خارج حدود الحرم، مما دل على أن فضل المضاعفة تعم جميع الحرم.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم مكة لأربع خلون من ذي الحجة وطاف بالبيت وسعيى بين الصفا والمروة ولم يحل من أجل بدنة لأنه قلدها ثم نزل بأعلى مكة عند الحجون وهو مهل ولم يقرب الكعبة بعد طوافه بها حتى رجع من عرفة"، رواه البخاري، فالمصطفى عليه الصلاة والسلام أقام في الحجون وهي الأبطح أربعة أيام قبل خروجه إلى منى، والأبطح داخل حدود الحرم لم ينزل إلى المسجد الحرام ليصلي فيه مع قرب المسافة وسهولتها، وحرصه عليه الصلاة والسلام على حث أمته على اقتناص فرص الخيرات، بل ولم يرد أنه أمرهم بالنزول إلى الحرم المكي، وهذا دليل على أن مضاعفة الصلاة عامة في جميع الحرم، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل إلى مكة يوم الحج الأكبر بعد أن رمى جمرة العقبة ونحر هديه وحلق رأسه طاف بالبيت طواف الإفاضة، وقد قارب دخول وقت الظهر خرج من مكة وصلى بأهل منى صلاة الظهر، وهو دليل على أن مضاعفة الصلوات تعم الحرم كله ولا تختص بالمسجد الذي فيه الكعبة. وروى عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الحرم كله المسجد الحرام. رواه الفاكهي في أخبار مكة. وقد قال بهذا إمام ومفتي الحج أربعين سنة الإمام عطاء بن أبي رباح رحمه الله ومجاهد وغيرهما. هذه جملة من أدلة من رأى أن فضل الحرم لا يختص بالمسجد المكي بل يعم جميع الحرم، وأن المراد بالمسجد الحرام هو جميع حدود الحرم، وهذا القول له حظ من النظر وفيه تيسير على الناس، وخصوصا في هذه الأزمنة التي يشق أحيانا الوصول إلى الحرم المكي إن لم يكن متعذرا، بل قد يؤدي الصلاة في الحرم المكي بانشغال بال وعدم خشوع لضيق المكان أو لأنه يصلي في الممرات والشوارع، مما يؤذي غيره وقد يكون حاقنا أو مجهدا، وقد تحدث مفسدة اختلاط النساء بالرجال للزحام الشديد، وما إلى ذلك مما ليس بخاف، وربنا كريم جواد، هذا والله أعلم.