مدينة الذهب (أورو بريتو)

مدينة الذهب (أورو بريتو)

[email protected]

في عام 1698م كان البرتغاليون يقتسمون العالم الجديد مع الإسبان، وبدأوا في امتلاك أعظم دولة في أمريكا الجنوبية هي البرازيل، مع سحر غابات الأمازون فيها، وفي منطقة يتدفق فيها نهر أصفر، لفت نظر بعض المستكشفين قطع ذهبية لامعة مع جريان النهر. وبالتقاطها كانت ذهبا خالصاً.
صعق الفريق، وبدأ ولمدة ستة سنوات يحاول معرفة من أين يحمل هذا النهر الذهب الخالص؟ فالماء ماء والذهب ذهب، وعندما تتدفق نثارة الذهب مع الماء، معناه أن النهر يقتطع هذا المعدن الثمين من مكان ما.
وبعد بحث مستفيض في اكتشاف منطقة جبلية وعرة، وضعوا أيديهم على جبل كامل من الذهب الخالص.
وخلال سنوات قليلة تحولت المنطقة إلى مدينة مزدهرة، أخذت اسم مدينة الذهب (أورو بريتو) وكلمة أورو بالإسبانية تعني الذهب؛ فعمرت بالسكان، وبدأت الأرض تحفر أنفاقا للوصول إلى عروق الذهب في الجبل.
وفي فترة قصيرة كانت هذه المدينة أعظم من جنوب إفريقيا الحالية، فكانت تصدر 80% من ذهب العالم.
ومع حمى الثراء التي ملأت جيوب البرتغاليين ومعهم الأوروبيون، زاد النشاط الاستعماري لجلب اليد العاملة من إفريقيا، ويقال إن قبيلة بأكملها حملت من غرب إفريقيا إلى مدينة الذهب أورو بريتو.
ويقول روجي غارودي المفكر اليساري الفرنسي الذي اعتنق الإسلام، إنه شحن ما لا يقل عن مائتي مليون من السود، على مدار قرن، مات منهم مائة مليون في ظروف الشحن القريبة من زرب الخرفان، ويعتبر أن الغرب قام بأفظع حملات الإبادة في التاريخ.
ويبدو أن هذه القبيلة التي شاركت في النبش، عن الذهب، من صخور الجبل حبيت بقائد ذكي، شجاع القلب حكيم التصرف، بدأ يعلم قومه في هذه الغربة القاسية التكيف للتخلص من سيطرة حكامهم البرتغاليين الاستعماريين الجشعين للذهب. قال لهم إن كانوا يريدون الذهب فلنشتري عبوديتنا بالذهب؟ قالوا له نحن الفقراء المكدودون ندفع ثمن حريتنا بالذهب هل أنت مجنون. قال لهم بل أنتم المجانين أليس الذهب بين أيديكم صباح مساء تقتطعونه من الصخر الأصم. قالوا له هذا صحيح ولكن نسيت المراقبة الصارمة على مدار الساعة. قال وسرها هنا، فمهما راقبوكم بإمكانكم مع طول الوقت أن تخبئوا شيئا يسيرا، والقاعدة تقول إن اليسير مع الجمع والوقت يصبح كثيرا.
ثم خطط لهم بذكاء كيف يخبئون الذهب عن أسيادهم، حتى جاء ذلك اليوم الذي بدأ رئيس القبيلة الإفريقية يفاوض أسياده على الحرية مقابل الذهب، وببراعة وصبر وحكمة استطاع أن يخلص قومه من العذاب الأليم.
استمر تدفق الذهب بعد الاكتشاف لمدة 120 سنة يغذي الأسواق العالمية، ويقول توينبي المؤرخ البريطاني إن تدفق الذهب كان لعنة على الإسبان والبرتغاليين، لأنه قاد إلى موجة غلاء مخيفة، وتضخم مريع في العملة، على قاعدة العرض والطلب كما أن إسبانيا خاضت بالذهب حروب توسع لم تفلح فيها، وفي جو التعصب ومحاكم التفتيش وطرد ثلاثة ملايين مسلم، انحدرت إسبانيا إلى الدرك الأسفل من أوروبا، ولم تنهض إلا بدخول أوروبا من البوابة الخلفية عن طريق الاتحاد الأوروبي.
وأنا شخصيا زرت إسبانيا قبل الوحدة الأوروبية فذكرتني بالكسل الموجود في العالم العربي، والتشمس، وتضييع الوقت، وامتلاء المقاهي، واعتماد البلد على السياحة أكثر من الإنتاج، وشغف الناس الدموي بحفلات مصارعة الثيران.
وفي النهاية ككل نهاية لبلد، أصبحت مدينة أورو بريتو من الماضي، كما أن السود كافحوا مع البرازيليين للتخلص من السيطرة البرتغالية الكريهة، وحصلوا على الاستقلال عام 1822م. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

الأكثر قراءة