أخشى لا أخشى (2 من 2)
يحضرني في هذا الجزء من المقال قول المغيرة بن شعبة لعمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - عندما استدعي عمرو بن العاص واليه على مصر بسبب خلاف نشب بين ابن عمرو بن العاص وقبطي، قوله ''وما زال عمال أمير المؤمنين إذا عملوا أو قالوا يتلفتون يمنه أو يسرة، يخشون عينا لأمير المؤمنين ترى إفراطا أو تفريطا''. هذه الخشية التي إذا ذهبت تُذهب الحكم - لا قدر الله - وإذا بقيت تبقى الرعية في خير وعافية، وهي ما يحاول بعض أعداء استقرار الدول زرعها في كل أفراد الشعوب، حتى يصبح الناس فوضى لا سراة لهم، ويصبح كل شخص يقوده هواه ومصالحه دون خشية من الله ولا خلقه، وهو ما يمّكن أولئك المفسدين من زرع قيمهم ومبادئهم وتوجهاتهم في أذهان الشباب بشكل خاص، ومختلف أفراد المجتمع أو المجتمعات بشكل عام، ولعلنا جميعاً نلاحظ التغير المتسارع في أسلوب الطرح الإعلامي بمختلف وسائله المقروءة والمسموعة والمشاهدة، واستغلال تلك القوى المحركة لهذا التغيير الذي ينطلق من مبدأ زراعة ثقافة عدم الخشية، وليس الهدف هنا من تلك الزراعة هو إيجاد مجتمع يعمل من أجل البناء والتطوير وعبادة الله، بل العكس إيجاد مجتمع أو أفراد في المجتمع متمردة على كل شيء وناقدة لكل شيء، ناسين أو متناسين قول الله - سبحانه وتعالى - عند بدء الخليقة ''وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة''، والاستخلاف هنا الهدف منه عبادة الله وعمارة الأرض لقوله تعالى ''هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها''.
هذا الفهم لوجود الإنسان على الأرض من أجل عبادة الله والعمل على إعمار الأرض وتطويرها وتطوير متطلبات الإنسان بها، المحققة والمساعدة لعبادة الله العبادة الخالصة من الشرك، هو ما يحاول زراع ثقافة عدم الخشية توطينه ضمن ثقافة المجتمعات خصوصاً الشباب، حتى إذا ما أطمأنوا إلى قبول الشباب لمثل هذه الثقافة تحولوا بهم نحو الابتعاد عن عبادة الله وجعل مثل هذه العبادة نوعا من التخلف وهم في هذا الأمر على مسارين، أما تشدد ديني يهدم كل بناء كما نرى من بعض المنظمات والجمعيات والمؤسسات الإرهابية التي تبيح القتل والسرقة والتعدي على الأعراض والأملاك للمسلمين وغير المسلمين، أو الأخذ بهم نحو اللا دين مثل منظمة عبدة الشيطان أو غيرها من المنظمات اللا دينية، وكلتا الفئتين تجد لغتها ومنهجها قد تم زرعه في عديد من الأفلام والأغاني، ثم في عديد من المؤسسات التعليمية والفكرية في مختلف دول العالم، مستثمرين كل الفرص المتاحة ومستغلين الوقت ولو طال، لأنهم يحملون فكرا ذا أهداف طويلة الأمد حرباً لله ورسوله، وحرصاً على عدم عبادة الله في الأرض انتقاماً في نظرهم من الله الذي جعل منهم القردة والخنازير.
إن ما نشاهده اليوم من هجمة إعلامية بكل الوسائل المختلفة تزداد مع المواسم الدينية مثل رمضان والحج، حيث يتم فيهما تكثيف المسلسلات والمسابقات والبرامج ذات الصبغة غير الدينية، والهدف من ذلك كما ذكرت في مقالات سابقة قطع الفرصة على المسلم من التزود في هذه المواسم من الأعمال الصالحة التي تعتبر غذاء له في مستقبل الأيام لدنياه وآخرته، وهو ما حذر منه الله سبحانه وتعالى بقوله ''ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين، وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا فبشره بعذاب أليم'' ولعل ما يحدث حولنا هذه الأيام خير دليل على الفوضى التي يسعى لجعلها المدخل الأقوى لتحقيق هذا الغرض الفوضوي، وهو ما يتطلب وضوح الرؤية لنا وتحديد متطلبات المستقبل بما يحقق الاستقرار والاستمرار التنموي والأمني للوطن والمواطن، وفق الله من يعمل من أجل وطن سعودي الانتماء، عربي اللسان، إسلامي المعتقد وعالمي الطموح.
وقفة تأمل:
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى
ما الحب إلا للحبيب الأول
كم منزل في الأرض يألفه الفتى
وحنينه أبدا لأول منزل