العمل وثقافة الموظف الأوحد
الكتابة عن أي بناء مؤسسي لأي قطاع عمل سواءً كان القطاع الحكومي أو الخاص أو الأكاديمي أو الإعلامي، أو أي من العاملين في مؤسسات المجتمع المدني تنطلق من النظرة الشاملة لهيكلة القطاع ووظائفه والقدرة على بناء الكفاءات داخل المؤسسة مهما كبرت أو صغرت، وغالباً تكون المؤسسة ناجحة عندما تملك البدلاء الجاهزين تدريبا وتأهيلا للقيام بمهام المدير كبر أو صغر ذلك المدير أو المنصب، وفي عالمنا العربي بشكل عام والسعودي بشكل خاص نجد قيادات في كل القطاعات والمناصب والأقسام يبلغ الواحد منهم من العمر عتيا دون أن يكون قادرا على بناء الكفاءات وإيجاد البدلاء الأكفاء لتحمل المسؤولية، وهذا التصرف ليس في المؤسسة الحكومية فقط، إنما في كل القطاعات الممثلة للدولة، وأذكر في هذا السياق أن أحد الأشخاص وممن يطالب بتدوير المناصب وإعطاء الفرصة لكفاءات بقي رئيسا لمجلس إدارة شركة عامة مساهمة أكثر من 25 عاما دون أي تطوير وتجديد وعندما ترك المنصب أصبح يفتخر بأن فترته كانت الفترة الذهبية في الإنجاز والأرباح وأن من جاء بعده أشخاص لا يملكون الخبرة والمعرفة التي تساعدهم على أداء العمل، ونسي أنه كان رئيسهم وأنه لو كان محبا لتلك المؤسسة لحرص على إيجاد البدلاء الأكفاء وتدريبهم وتأهيلهم لأداء العمل بشكل ممتاز حتى يحققوا استمرار وتطوير ونجاح هذه المؤسسة التي كان مؤتمنا عليها.
إن إصرار بعض القيادات في مختلف المواقع والمناصب على احتكار المنصب وعدم تأهيل الكفاءات القادرة على أداء العمل هو أحد أهم أسباب تأخر وتدهور مختلف المؤسسات والأجهزة العامة والخاصة, ولعل مثلنا المحلي الذي يقول "ما في هذا البلد إلا هذا الولد" خير شاهد على مثل هذا التراخي في الاهتمام بالبناء المؤسسي البناء السليم شكلا وموضوعاً وتأهيلا وتدريبا, ومع أنني أجد أحياناً العذر في بعض أجهزة الحكومة أو ما يسمى القطاع العام على أساس أنه قطاع لم يعد جاذبا للكفاءات، إنما أصبح طاردا لها، وهو ما يجعل القدرة على استقطاب الكفاءات وتدريبها وتأهيلها أمرا في غاية الصعوبة، وسبق لي إيضاح هذا الأمر من خلال العديد من المقالات المتعلقة بالشأن العام والعمل في المؤسسات والأجهزة الحكومية, إلا أن هذا الأمر، ومع صعوبته أحيانا في تلك المؤسسات، لكن يجب ألا يترك مطلقا دون توجيه ومراقبة ومحاسبة في كل القطاعات الممثلة للدولة الحكومية والخاصة والأكاديمية والإعلانية وكذلك مؤسسات المجتمع المدني.
وكما أقول دائماً لو التفت كل واحد منا حوله لرأى حجم الديناصورات التي تعيش بيننا ولا يملك القدرة على تحريكها من مكانها خوفاً من انهيار المؤسسة التي يعملون فيها, وهذا وهم سيطر على كل قطاعات الدولة من دون استثناء حتى أن أحد الأشخاص يذكر أنه عندما تولى منصبا في إحدى المؤسسات الحكومية جاءه من يقول له إن فلانا وفلانا لا يمكن الاستغناء عنهما وإن إبعادهما من منصبيهما سيؤدي إلى إرباك العمل، وربما انهيار المؤسسة بكل مكوناتها وإداراتها وأنظمتها، يقول ذلك المسؤول سألت عنهما فوجدت أنهما يقومان بعمل روتيني تبرز أهميته في وضع كل الصلاحيات في أيديهما وجعل كل من يعمل معهما عبارة عن مراسلين يقومون بنقل العمل لهما وتركه لهما للقيام بإنجازه، وهذان المسؤولان، كما يذكر صاحبنا، ليس لهما مساعدون أو معاونون، إنما الكل مر اسلون فقط يأخذون العمل ويعيدونه، وأن هذين المسؤولين لم يأخذا إجازة في حياتهما الوظيفية أو يشاركا في أي دورة تدريبية محلية أو وطنية أو إقليميه أو عالمية، إنما عمل في عمل في عمل، لكنه عمل يوم مكرر أكثر من 30 سنة دون تطوير أو تغيير أو إضافة تذكر, يقول صاحبنا بعد مدة قصيرة من الزمن طلب منهما أن يأخذا إجازة ضمن جدول إجازات وضعت لجميع الموظفين وكلفت من يقوم بعملهما وطلبت منه ألا يتصل بهما أبداً، كما كلفت مساعدين لكل مكلف جديد، وخلال أقل من شهرين كان هناك مديرون جدد من الشباب أو مما يسمونه الصف الثالث في المؤسسة ولم تنهر المؤسسة بسبب غياب هذين المديرين وسارت الأمور نحو الأحسن والأفضل في مؤسسته.
إن رحلة التنمية التي تعيشها المملكة اليوم ومتطلبات الرحلة في المستقبل ومع التغيرات التي يعيشها العالم والتحديات التي تصاحب تلك المعيشة لا يمكن أن تسمح بأي تأخر أو تخلف عن الركب، وهنا تأتي أهمية بناء الكفاءات واستقطابها وتدريبها وتأهيلها، والزمن القادم لن يتحمل فكرة المدير الأوحد في أي منصب كبر أو صغر, في مختلف مؤسسات الدولة الحكومية والخاصة والأكاديمية والإعلامية حتى مؤسسات المجتمع المدني، وفق الله الجهود التي تعمل من أجل وطن سعودي الانتماء, عربي اللسان, إسلامي المعتقد وعالمي الطموح.