ضجة وزارة العمل
"لا توجد حروب وعداوات للوزارة مع رجال الأعمال، لا مع كبير ولا صغير أو عامل أو مستثمر"، أعلنها صراحة وزير العمل د. غازي القصيبي الأسبوع الماضي وأشار بفطنته المعهودة إلى أن حرب الوزارة هي مع البطالة فقط، «نحن لا نريد أن نحدث ضجة، ولا نريد أن تكون الوزارة مثاراً للجدل، وإنما تقوم بواجبها فقط». تفاوتت حدة "ضجة" وزارة العمل من وقت لآخر، هناك مثلاً ضجة قرار تأنيث المحلات النسائية الذي من المفترض أن يكون قائما ومع ذلك فإن هذا القرار يطبق الآن بصفة طوعية ولم تطبق وزارة العمل هذا النظام بصفة إلزامية. هناك أيضاً موضوع زيادة عدد العمالة المستقدمين وفيما إذا كان هذا العدد فعلاً مرتبطا بنمو الاقتصاد، وارتفاع معدلات حوالاتهم المالية والتي تجاوزت 60 مليار ريال سنوياً بنسبة 8 في المائة من الناتج المحلي السعودي، وموضوع تأشيرات العمل، ناهيك عن "ضجيج" آخر مثل البطالة وقيام (أو عدم قيام) القطاع الخاص بواجبه الوطني في التدريب والتوطين.
ليس هناك أدنى شك بأن وزارة العمل مصممة على مكافحة البطالة ما دامت البطالة باقية بمعدلات غير مقبولة. وهذه ضجة من نوع آخر يطلقها الوزير بجرأة حين يصرح أنه لم يتمكن بعد من تنفيذ مهمة القضاء على البطالة وأنه مستمر في المحاولة الدائبة لتحقيق هذا الهدف. الضجيج من الطرف الآخر يأتي من طوابير الخريجين الذين يقفون أمام مكاتب العمل والشركات. أما الضجة الناعمة فتأتي من تقرير وزارة العمل لعام 2006م، الذي أقر أن عدد السعوديات العاملات لا يتجاوز 300 ألف عاملة. بطبيعة الحال لا بد من تغيير نظرتنا لعمل المرأة قبل أن نلوم غيرنا على عدم توظيفها. وطالما أنه لم يتم استحداث وظائف جديدة فإن توظيف السعوديين والسعوديات لن يتأتى إلا بالحد من استقدام العمالة الأجنبية رغم ارتباط عدد العمالة المستقدمين بنمو الاقتصاد. الملفت للنظر أن العمالة الوطنية تجد في القطاع الحكومي محفزا أكثر من القطاع الخاص، ولكي لا نبخس القطاع الخاص حقه فهناك العديد من الشركات التي تقوم بواجبها في التدريب والتوطين. إلا أنني أتفق مع مطالبة الصناعيين في المنطقة الشرقية بتخفيض نسبة السعودة في مصانعهم أسوة بقطاعي المقاولات والذهب، وذلك نتيجة لعدم وجود الكوادر السعودية المؤهلة والتقنية التي تفي بحاجة مصانعهم، خاصة في ظل انضمامنا لمنظمة التجارة العالمية. إضافة لذلك، فإن رفع نسبة السعودة في المصانع خلال فترة قصيرة سيؤدي إلى إرباك كبير في هذه المصانع التي عانت أصلاً من مشكلات عديدة مثل: ارتفاع التعرفة الكهربائية, شح الأراضي الصناعية, نقص التأشيرات, وطبعاً الانقطاعات المتكررة للكهرباء خلال الفترة الأخيرة، مما أدى إلى خسائر كبيرة للمصانع الوطنية.
لا شك أن وزارة العمل والعاملين فيها يهدفون إلى تحقيق العدالة، كما أنه لا شك أن ضجة الوزارة نتجت عن أنها قد كُلِفَت بمهمة لا تحتمل الراحة واليأس أو ترك المواجهة. هناك مثلاً مواجهة تقاليد أجيال متتالية رسخت عادات قوية، منها الاعتماد على العمالة الرخيصة، واعتماد الشباب على الوظائف الحكومية، وضعف ثقافة العمل. وأتفق تماماً مع اعتراف الوزير أن الوزارة لا تستطيع حل هذه المشكلات بجرّة قلم أو في يوم وليلة، لكن هذا لا يعني الاستسلام، بل يجب اتخاذ الموقف المنطقي والعلمي في التعامل معها. في المقابل، أجد أن وجهة نظر الصناعيين وجيهة جداً ومعقولة، فالمشكلات التي تؤرقهم في عملية السعودة هي عدم وجود الشباب السعودي المؤهل، إضافة إلى عدم استمرار هؤلاء الشباب في العمل بحثا عن فرص وظيفية أخرى في القطاع الحكومي. إن رفع نسبة السعودة في المنشآت الصناعية في هذا الوقت بالذات سيضر بشكل كبير بالقدرة التنافسية لهذه المنشآت في مواجهة الشركات الأجنبية، التي يسعى الكثير منها للاستثمار في الاقتصاد السعودي.
أنا على يقين أن الصناعيين يرغبون في تشغيل الشباب السعودي بنسب تفوق التي تطالب بها وزارة العمل، إذا توافر الشباب المدرب والمؤهل للأعمال الفنية التي تحتاج إليها المصانع والشركات. إن قليلاً من المرونة من الوزارة وقليلاً من التدريب في الشركات قد تلبي احتياجاتنا من أبناء وبنات هذا الوطن للمشاركة في بناء صناعة متينة واقتصاد فاعل، فهل من تجاوب؟