لماذا طريقة بناء سجل الأوامر؟ (2-2)

[email protected]

بعد إلقاء نظرة عامة على طريقة بناء سجل الأوامر في الاكتتابات الأولية في حلقة الأسبوع الماضي، نحاول في هذه الحلقة تناول الموضوع بشكل أكثر عمقاً وتحليلاً. فبالنظر إلى التجارب العالمية المتعلقة بمختلف طرق الطرح الأولي، نلاحظ هيمنة آلية بناء سجل أوامر الاكتتاب على عمليات الطرح الأولي في الأسواق المالية الأمريكية، بينما تتنوع آليات الطرح الأولي في أوروبا لتشمل طريقة المزايدة بعدة أساليب منها بذل أفضل جهد أو طريقة تحديد السعر. بيد أن السوق اليابانية تقدم دليلا تطبيقيا أوضح، ففي عام 1997 قامت هيئة السوق المالية اليابانية بالسماح لطريقة بناء سجل الأوامر لعمليات الطرح الأولي بعد أن كانت الطريقة السائدة قبل ذلك هي طريقة المزايدة، وقد تجاوبت الشركات اليابانية بشكل إيجابي، حيث اتبعت جميع الإصدارات بعد ذلك بفترة قصيرة طريقة بناء سجل الأوامر.
وعند تقييم تجربة الأسواق الأخرى العالمية التي اتبعت طريقة بناء سجل الأوامر، من الأهمية بمكان عدم سحب التجارب بما تحمل من ظروف لتلك الأسواق وخصائص تختلف عن سوقنا المالية المتباينة حجماً، هيكلاً، كفاءةً، ونضجاً معها. فنظراً لهيمنة اقتصاد السوق والقطاع الخاص في الأسواق الأوروبية، الأمريكية، واليابانية، قد يكون تغليب مصلحة الشركات المطروحة للاكتتاب أهم من مصلحة انتفاع الأفراد والتأثير في هيكل السوق عند أخذ عملية تخصيص الاكتتاب تبعاً للبناء النظري ودون تدخل الهيئات التنظيمية، لذلك نجد أن العوائد المتحققة من الطرح الأولي للشركات المتبعة لطريقة بناء سجل الاكتتاب تزيد على العوائد المتحققة من خلال استخدام طريقة تحديد السعر، ولكن التذبذب في سعر ما بعد الطرح يزيد عليه في الطريقة الأخيرة في السوقين الأوروبية والأمريكية. ولكن يجب أخذ الحيطة والحذر عند مقارنة مختلف الأسواق لاعتماد النتائج على المنطلقات في هكذا تحليل.
وعليه، فاتباع طريقة بناء سجل الأوامر في الأسواق الأوروبية والأمريكية تتمحور حول هدف تفادي تسعير الطروحات الأولية بأقل من السعر العادل، أما اتباع الطريقة نفسها في المملكة فيبدو أن الهدف منها لهيئة سوق المال هو تقليل احتمال تسعير الطروحات الأولية بأعلى من السعر العادل، بجانب رفع حجم الاستثمار المؤسساتي في السوق خصوصاً وأن طريقة بناء سجل الأوامر تعد كقرن استشعار لما سيكون عليه الطلب والسعر الخاص بالإصدار، كما إنها تعد مقياساً لجودة الشركة المصدرة.
ومن ضمن الآليات المتبعة في طريقة بناء سجل الأوامر في السوق السعودية أن تقوم شركات وصناديق الاستثمار التي يتم تسويق الطرح الأولي لها بتحديد الكميات التي ترغب في الحصول عليها عند سعر محدد، أي أن الطلب يبلغ الحجم الفلاني عند السعر المستهدف. وفي نهاية الفترة يقوم مدير سجل الأوامر بتحديد سعر الطرح والكميات المخصصة لمختلف المكتتبين. بيد أن تحديد نطاق الطلب تبعاً لمرونة والمستثمرين واهتمامهم بما يحقق تناسباً بين السعر والكمية المطلوبة لم يتم اتباعه إلى الآن في السوق السعودية، بل إن الطريقة المتبعة حالياً تعتمد على كمية معينة بسعر محدد، وأرى أن من الأفضل طرح خيار تقديم منحنى لكمية الطلب عند أسعار مختلفة ضمن النطاق المحدد من قبل المستثمرين المؤسساتيين خلال عملية بناء سجل الأوامر ليقرر المستثمرون المؤسسون ومدير سجل الأوامر من خلاله نيتهم لمختلف درجات التخصيص، ما يؤدي إلى توفير عدد من منحنيات الطلب يمكن البناء عليها لتحديد شكل ومرونة منحنى الطلب الكلي للاكتتاب، وبالتالي توقع مختلف السيناريوهات والتخصيصات المحتملة بين المكتتبين المؤسساتيين والأفراد ومدى تجاوب الطلب مع السعر المطروح للاكتتاب.
كما إن من المحاذير التي يجب أخذها في الحسبان عند اتباع طريقة بناء سجل الأوامر من قبل هيئة سوق المال هو أن يتم الإبقاء على هامش ربحية رأسمالي بعد الطرح الأولي في المتوسط لصغار المستثمرين، وذلك لتعزيز الثقة بالاكتتابات لجمهور المستثمرين الذين ينقصهم الوقت وأدوات التحليل لجدوى مختلف الاكتتابات الأولية ولكون وصول العوائد المالية الوطنية إليهم تعد من الأهداف الرئيسية للاستراتيجيات الاقتصادية الكلية، ففقدان المكتتبين الأفراد للثقة في عمليات الطرح الأولي قد تؤدي إلى الانحراف عن أحد الأهداف الاقتصادية الوطنية المتمثلة برفع درجة الاهتمام بالسوق والاستفادة من النمو الاقتصادي الوطني لذوي الدخل المتوسط والمحدود، إلا أن أسلوب تخصيص الأسهم في اكتتاب شركة كيان على الرغم من كون آلية طرحها بناء على السعر المحدد أوضح للسوق حرص هيئة السوق المالية على مصلحة المكتتبين الأفراد.
ومن المهم الإشارة إلى أن انخفاض الأرباح الرأسمالية مع بدء التداول يؤدي إلى انخفاض الثقة في الاكتتابات الأولية بشكل يطول المستثمرين الأفراد أكثر من المستثمرين المؤسساتيين نظراً لاختلاف مرونة الطلب على الاكتتابات الأولية وأفق الاستثمار بين الطرفين والمتسبب فيها طبيعة الاستثمار والموارد المخصصة له، بجانب الأهداف النهائية للاستثمار والعوامل السيكولوجية. وعلى الرغم من أهمية إيلاء اهتمام لاستفادة المستثمرين الأفراد، إلا أن طريقة بناء سجل الأوامر تعد من أفضل الطرق التي قد تشجع عليها الجهات التنظيمية لزيادة حجم مشاركة المستثمرين المؤسساتيين في السوق كشركات وصناديق الاستثمار. لذا، نستنتج أن الموازنة بين الهدفين ممكنة نظراً لكون مدير سجل الأوامر هو المسؤول عن تخصيص الأسهم وتحديد السعر بناء على المعلومات المستوفاة خلال فترة بناء سجل الأوامر.
وبتناول وجهة نظر المستثمر الفرد تجاه طريقة بناء سجل الأوامر، يلاحظ أن أول الاهتمامات هو التأكد من عدم المبالغة في تسعير الاكتتاب الأولي لتحقيق أعلى أرباح رأسمالية ممكنة بعد بدء التداول، وقد يساعد وجود المستثمرين المؤسساتيين المحترفين وتقييمهم على تفادي المبالغة في التسعير وإخراجه من تحكم متعهد الاكتتاب والمصدرين كالحال في التسعير الثابت حين يتم المبالغة في تقييم سعر الاكتتاب، مسبباً تضارباً في المصالح يضر بمستوى الثقة بالسوق.
وفي الختام، كان تقييم طريقة بناء سجل الأوامر نظرياً حيناً وملقياً نظرة على تجارب الدول الأخرى في أحيان أخرى. لهذا السبب، فإن التقييم الحقيقي سيأخذ مكاناً عند تقييم التجارب الحديثة والمستقبلية وتأثيرها في كفاءة وأداء السوق المالية مقارنة بطريقة تحديد السعر التي يغلب اتباعها في السوق المالية السعودية، حيث إن لكل سوق صفاتها وطريقتها الخاصة في التجاوب مع مختلف الطرق المتبعة، إلا أن الجيد هنا هو في حراك السوق ومرونة هيئة السوق المالية في السماح بتقديم الأدوات الجديدة بتدرج بجانب إعطاء الخيار للشركات والبنوك الاستثمارية للتشاور فيما بينها مع متابعتها للتأثيرات المتعلقة بأهدافها الاستراتيجية ومستقبل السوق ككل، وبالتالي مستقبل الاقتصاد السعودي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي