حامل لواء الشعر النبطي .. أبو حمزة العامري
أبو حمزة العامري، شاعر من قدماء شعراء النبط، بل لعله في شعراء النبط كامرئ القيس في شعراء الفصحى، فهو حامل لواء الشعر النبطي، عاش في القرن السابع الهجري. شعره قريب جدا من الفصحى، ومن المحتمل أن أغلب شعره بالفصحى، ولكن تعاقب الرواة على نقل شعره وتحريفهم له قد زاد بعده عن الفصحى، وقربه من العامية. يتسم شعره بالجودة، والمتانة، والقوة، مع حسن الصياغة والسبك. وتشتم من شعره رائحة العزة والأنفة والفخر والشمم. عرف شاعرنا بلقبه، ولم يذكر الرواة اسمه، ورأيت سليمان الدخيل ـــ رحمه الله ـــ يذكر أن اسمه شفيع، وقال عنه: "أبو حمزة شفيع، أحد المشاهير في الشجاعة والإباء، وأحد رجال عصره في المروءة والأدب. وأبو حمزة هذا مما لم أعثر على ترجمة حياته، لكني أرى هذا النسيج مما قيل بعد القرن السادس للهجرة". كما نجد في مخطوطة الذكير، إحدى أقدم مخطوطات الشعر النبطي أن اسمه شفيع.
ويرد في كتاب "تحفة الأزهار وزلال الأنهار" لابن شدقم خبرا وقصيدة للأمير حمزة العقيلي، وهذه القصيدة هي إحدى قصائد أبي حمزة العامري الموجودة في مخطوطة الذكير، أما الخبر فيقول: "إن الأمير حمزة العقيلي كان سخيا كريما مفرطا وكانت زوجته تمنعه من ذلك فلطمها ذات يوم لتعرضها له فهجرته لقلة ما في يده فرحل قاصدا كبش بهذه الأبيات وكانت ركابه التي رحل عليها سبعة عشر بعيرا وذكرها في هذه القصيدة". ويتضح لي أن حمزة العقيلي هو أبو حمزة العامري، لاحتمالية سقوط كلمة أبو من ناسخ كتاب ابن شدقم، أو إن الاسم وصل إلى المؤلف بهذا الشكل، ثم إن بني عقيل بطن من بني عامر، وسيأتي ترجيح أحمد العريفي أن أبا حمزة عقيلي.
أما عن نسبه، فهو يقول في أحد أبياته: أنا أبو حمزة سلالة عامر... إلخ. ولذلك توقع الكثير من رواة الشعر النبطي ودارسيه ـــ ومنهم الشيخ عبد الله بن خميس، والراوية منديل الفهيد ـــ أن يكون من قبيلة سبيع بن عامر، وتوقع آخرون أن يكون من قبيلة العوامر. والأشهر هو القول الأول، ولا دليل على صحة القولين الآخرين. ويرى أحمد العريفي في كتابه "تلويحات" أنه من بني شبانة بن قديمة بن نباتة من بني عقيل بن عامر، وقد أورد القرائن التي تؤيد رأيه، وأهمها بيت شعر لأبي حمزة يقول فيه:
قومي شبانة ذوو المفاخر والعلا
والعود ينبت في مكانه عودا
إضافة إلى أن أغلب المواضع التي ورد ذكرها في شعره تقع في شرق الجزيرة العربية، المعروفة قديما باسم البحرين، وقد استولى بنو عقيل بن عامر على هذه المنطقة بعد ضعف الدولة العيونية، وقد عرَّف أحمد العريفي بهذه المواضع في بحثه السابق، وبيَّن مواقعها. وهذا الرأي أوجه من سابقيه، وأقربها للواقع التاريخي والجغرافي. ويعتبر أفضل ما كتب عن هذا الشاعر هو ما قدمه الدكتور سعد الصويان في كتابه "الشعر النبطي: ذائقة الشعب وسلطة النص"، وقد فتح الطريق لإعادة دراسة هذا الشاعر من جديد وفق المعطيات التي طرحها. وسأقتطف فقرات من حديثه عن أبي حمزة العامري لأهميتها: "لا نجد في قصائد أبي حمزة ما يشير بشكل قاطع وواضح إلى زمنه أو يحدد موطنه أو قبيلته أو يلقي أي ضوء على شخصيته التي نجهلها تماما. إلا أنه يرد في أحد قصائده اسم كبش بن منصور بن جماز الذي يحتمل أنه كبيش بن منصور بن جماز بن شيحة بن هاشم بن قاسم بن مهنا الشريف الحسيني الذي ولي إمارة المدينة المنورة سنة 725هـ حتى مقتله سنة 728هـ، أي قبل ولادة ابن خلدون... ولا تورد المصادر المطبوعة والمخطوطة المتداولة إلا قصيدتين من قصائد أبي حمزة هما الهمزية وهي على بحر الرجز واللامية وهي على بحر البسيط. إلا أنني وجدت له في مخطوطة وجدتها في حوزة الزميل عبد الرحمن بن عبد المحسن الذكير، إضافة إلى القصيدتين المذكورتين، خمس قصائد إضافية لم أعثر على أي ذكر لها في أي مكان آخر، وكلها على بحر الرجز... ويوحي مضمون بعض القصائد التي قالها أبو حمزة مفتخرا بنفسه ومعتدا بشجاعته واستقامة خلقه أنه كان مقدما في قومه وفارسا من فرسانهم المعدودين، إن لم يكن زعيما من زعمائهم، وهذا ما تقوله عنه الرواية الشعبية.. تأتي أهمية قصائد أبي حمزة في كونها أقدم ما وصلنا من نماذج شعرية يمكن إدراجها تحت مسمى الشعر النبطي، وهي لذلك تمثل بدايات هذا الموروث الشعري".
ثم قدم أحمد العريفي دراسته الجيدة عن أبي حمزة ضمن تلويحاته ليكمل عمل الدكتور الصويان. وباستثناء النص الوارد عند ابن شدقم، فإن أحدا لم يأت بجديد بعدهما. فالذي رسم لنا صورة هذا الشاعر بشكل واضح هو الصويان، والذي أكملها وزادها وضوحا هو العريفي.
نماذج من شعره:
من أشهر قصائد أبي حمزة العامري القصيدة الهمزية، والتي عارضها الشاعران حميدان الشويعر والغيهبان المري، وهي قصيدة طويلة، نختار من أولها هذه الأبيات:
ياخلتي عوجوا بنا الأنضاء
نبصـر بدار عذبة الجرعاء
دار عفت آثار ساكن حيها
وأوزا بحالي شوفها وبكائي
أودى بها صفق الرياح ولا بقي
إلا الرسوم وما يهيض عزائي
خلف الضبيعي في دعاثير الغضا
مقصد مغيب النجمة الجوزاء
ظلت بها عنسي تدور وظل بي
وجد توقد في كنين أحشائي
من باكر حتى هفت شمس الضحى
لمغيبها واقتادها الممساء
دار لموضية الجبين كأنها
بدر يفاوج حندس الظلماء
أو مشعل جنح الدجى مع قابس
أو بارق يوضي من المنشاء
فإلى تبسم عن ثنايا ذبل
كاللؤلؤ المنثور للشراء
وإلا كما ضـيق السحاب الهامع
غر غرير جادل نعساء
هيفا هنوف كاعب غطروفة
تذبح برمقة عينها النجلاء
لم تشتك رمدا ولا مصبوبة
كلا ولا مشبوحة قلباء
إلا كما عين الجداة من المها
من غير كحل عينها سوداء
بيضا مقاناة البياض بحمرة
كالتبر خالط فضة بيضاء
لا بالقصيرة بالقوام ولا التي
جردا العظام طويلة نوقاء
عربية الألفاظ غير قريفة
من قومها بالذروة العلياء
بتنا وباتت رحمة الله بيننا
وحديثنا من بيننا رمساء
باتت توادعني ويذري دمعها
وتقول أبو حمزة متى التلقاء
يا الله يا مولاي تجمع بيننا
عند الوداع وحزة الفرقاء