الانهيار في أسواق الأسهم .. لقطات تاريخية (2)

تحدثنا الأسبوع الماضي عن انهيار أسواق الأسهم وذهبنا في رحلة تاريخية لأبرز الانهيارات التي حدثت في أسواق الأسهم الأمريكية لتتضح لنا الرؤية بشمولية أكثر.
هذا الأسبوع نتحدث عن الأثر الاقتصادي والاجتماعي لانهيار أسواق الأسهم في الثروات والمدخرات الفردية.
يهمنا التذكير بأن إحدى مهام أسواق الأسهم بالنسبة للمستثمر الفردي هي تنمية المدخرات على المدى الطويل بحيث يمكن للثروات أن تتعاقب عبر الأجيال وهي تنمو بشكل تدريجي وطموح. ونظرا لطبيعة الأسهم نجد أن تداولها له خواص تشجع على ممارسات مختلفة، فمثلا سرعة أنظمة التداول وتدفق السيولة يوفران جوا من المنافسة المحمومة والمضاربة على سعر السهم واتجاهه عوضا عن طبيعة الشركة وأهميتها بالنسبة للقطاع الذي تنطوي تحته.
الآثار المالية لانهيار مؤشر داو جونز عام 1929 نتج عنها خسارة 30 مليار دولار والتي تعادل 396 مليار دولار اليوم "تفوق في ذاك الوقت تكلفة الحرب العالمية الأولى".
وفقا للتاريخ الاقتصادي فإن بورصة نيويورك شهدت معدل تقلبات في حدود 20 في المائة سنويا منذ عام 1922 وحتى تاريخ تشرين الأول (أكتوبر) 1929 ما أفقد المتعاملين الثقة بسوق الأسهم بشكل كلي. وهذا ليس مستغربا لو عرفنا أن غالبية الأفراد آنذاك بمختلف شرائحهم الاقتصادية قد استثمروا أموالهم في الأسهم أملا في تحقيق عوائد مجزية أو على الأقل تكوين شيء من الثروة. أضف إلى ذلك، هناك عامل التداول بالهامش Margin Trading (الذي نطلق عليه "التسهيلات") التي ضخمت حجم الخسائر بحيث بات المتداول لا يقوى على سداد التسهيلات فيقوم البنك بتسييل المحافظ. يلاحظ هنا أن آلية الهامش في السوق الأمريكية تفوق في مخاطرها التسهيلات في السوق السعودية، حيث يقوم المتداول بدفع نحو 30 في المائة فقط من مبلغ الاستثمار واقتراض الباقي من البنك.

النتيجة
الآثار الاقتصادية العامة شملت معدّل البطالة الشهير الذي بلغ 25 في المائة ـــ أي أن واحدا من كل أربعة أشخاص قادر ولا يعمل. أيضا الانخفاض السحيق في الأجور والذي بلغ 42 في المائة، أي أن القوة الشرائية للأسرة تقلصت إلى النصف تقريبا. النمو الاقتصادي كذلك انخفض بنسبة 50 في المائة وتلاه معدل التبادل التجاري الدولي الذي تراجع بنسبة 65 في المائة، حيث تراجعت الأسعار Deflation بمعدل 10 في المائة.
إخفاقات، خسائر مالية، ديون مضاعفة، بيع الممتلكات، إغلاق الأعمال التجارية، تبخر المدخرات.. وفي النهاية صمت مطبق وسواد يغلف كل شيء: المنازل، نفسيات المواطنين، النظرة المستقبلية، إضافة إلى البورصات التي باتت كأنها بيوت حداد.
ما حدث في السوق السعودية أخيرا هو نسخة "مجهرية" مما حدث في أسواق أمريكا في العشرينيات والثمانينيات وعام 2001. التقلبات والخسائر التي مني بها المتعاملون السعوديون في 2006 يبدو أنها تلاشت من ذاكرة الكثيرين وخاصة بعد سنوات من الاستقرار الاقتصادي الذي شهدته المملكة في السنوات الأخيرة الماضية. أما ما حدث في الأسواق الصينية فهو نسخة مضاعفة مما أصاب الأسواق الأمريكية ـــ لو أخذنا الأخيرة كمعيار استرشادي.
وهنا أود أن أختم مقالي بعدة نقاط:
ـــ لا تزال الأسهم هي فئة الأصول الأفضل لتنمية المدخرات على المدى الطويل.
ـــ التقلبات القوية هي إحدى سمات هذه السوق ولكنها يجب ألا تؤثر في نفسية أو قرارات المستثمر البعيدة الأجل.
ــــ المضاربة الناجحة هي "حرفة" عدد قليل من الأفراد ولا تصلح لأغلب المتعاملين.
ـــ إحصائيا تتسبب المضاربة في خسائر أكثر من أرباح متواصلة، وذلك بفعل العمولات والقرارات الخاطئة أيضا.
والله الموفق،،

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي