من نوادر الكتب .. قصص وأشعار
"نزهة الألباب في تاريخ مصر وشعراء العصر ومراسلات الأحباب"، كتاب نادر يسجل نتفا مهمة عن تاريخ الجزيرة العربية وأخبار قبائلها، وتراجم بعض شخصياتها البارزة من أمراء وشيوخ ووجهاء وشعراء، كما يسجل طائفة من الأشعار النبطية. طبع الكتاب في مطبعة الهلال بمصر سنة 1314هـ، لكن من الواضح أن بعض المراسلات الموجودة في الكتاب قد سبقت هذا التاريخ بسنوات.
###مؤلف الكتاب
هو الشاعر والأديب المصري محمد حسني بن حسن خضر بن شريف العامري الحسيني من أهل بلدة "أبي الأخضر" في محافظة الشرقية، كان كاتبا للجوازات في السويس ثم رئيس قلم الحج والمحاجر الصحية في وزارة الداخلية، وتوفي ببلدته سنة 1373هـ/ 1954. وقد عمر المؤلف طويلا ربما بلغ 100 سنة أو قاربها. ومن خلال عمله في جوازات السويس التقى كثيرا من رجالات نجد والجزيرة العربية من العقيلات وغيرهم، وتعرف عليهم واستفاد منهم، وسمع منهم الأشعار النبطية وتاريخ نجد والحجاز والجزيرة العربية، وأخبار قبائلها وزعمائها، كما تراسل مع عدد من الشخصيات المهمة التي لها اطلاع ومعرفة، من بينها الشيخ مبارك بن مساعد المبارك البسام مولاهم، وهذا الشخص موصوف بالعلم والفضل وقد ترجم له الشيخ عبد الله البسام ـــ رحمه الله ــــ في كتابه "علماء نجد خلال ستة قرون" كما ترجم له أيضا صديقه محمد حسني أفندي العامري في كتابه هذا. ومؤلف الكتاب محب للعرب وأهل نجد والجزيرة العربية بادية وحاضرة معجب بهم وبصفاتهم وأخلاقهم، كثير الثناء عليهم، وخصوصا على تجار الإبل "العقيلات".
###طبقات العرب
يبدأ القسم الخاص بالحديث عن جزيرة العرب وشعرائها في صفحة 113، في الباب الثالث وعنوانه "طبقات العرب وسجاياهم" إذ تحدث عن خصال العرب والبدو الحميدة من شهامة وشجاعة وكرم نفس ونزاهة عرض وحماية جار وحفظ عهد، ووفاء بوعد، ثم قال: "وهذه الخصال باقية فيهم للآن واختبرتها بنفسي في عرب نجد والحصى ـــ يقصد الحسا، الأحساء ـــ واليمن وصحاري الحجاز، ونرى بعضها في العرب المستوطنين في القطر المصري لا سيما الباقين منهم على الحالة البدوية ولو كان راعيا".
ثم يورد قصصا تؤيد كلامه منها: أن فاسقا هم باغتصاب فتاة بدوية عذراء في الصحراء المصرية فطعنته بخنجره وهربت إلى حمى قومها وتركته يهيم على وجهه ودماؤه تسيل حتى مات، وأخبرت أباها الذي بدوره أخبر الحكومة المصرية، وبعد التحقيق والمحاكمة صدر عليها حكم بالسجن عشر سنوات، ولما رفعت الأوراق للتصديق عليها من حاكم مصر الخديوي إسماعيل وقرأها أخذته الحمية والنخوة فأصدر عفوا عنها وأمر بإطلاق سراحها دون كفالة وأعطى والدها 50 جنيها.
كما يورد قصة أخرى عن بدوية في نجد لا تكذب أبدا، جاءها اللصوص وهي تجمع الحطب وقودا لأهلها، وسألوها عن مكان قومها فتحيرت في أمرها إن دلتهم أضرت بأهلها وإن كذبت عليهم أغضبت طبعها، وأخيرا اعتمدت على فصاحتها العربية فقالت: "إن قومي في واد وما هم فيه، وما هم خلقة الله وما هم فيه" ولم تغير هذا القول مع تهديدهم إياها وأخيرا تركوها وهم يحسبونها وقومها من الجن .. ثم يقول: ومعنى اللغز أن قومها في وادٍ فيه ماء والماء خلقة الله وهم ليسوا مستقرين في الماء.
###أشعار نبطية
يقول المؤلف في إطار حديثه عن الشعر: "فوجدتها (بلاد العرب) لم تزل بيضته الكريمة (أي بيضة الشعر) ودرته اليتيمة حافظة لعلو مقامه إذا غاب السيف يقوم في التحكيم مقامه لا يتكلفون مثلنا في نظم القصيد ولا يحشونها بكلمات معجمة لا تفيد. وقد تولى عندهم ما يعرف بالحميني (يقصد النبطي) يجذب السمع بلطفه كرنة العسجد واللجين أما ما يضمنونه في أشعارهم الحالية من المعاني فلم يتغير عما كانت عليه في الزمن الفاني، تارة يمدحون بها القبائل ويتفاخرون باتباع خطة الأوائل، يقولون إن سكن الصحراء والوديان أشرف للنفس وأعز من المدن والبلدان، وطورا يصفون الوقائع الحربية ويذكرون أسماء أهل الشجاعة والفروسية وقد ساعدني الحظ فجالست بعضهم وسمعت نظم الحميني بألفاظهم فانشغفت به وغازلته فنطقت به مثلهم، وهو متوافق القوافي والأوزان ولا يدخل في موازين العروض كما سبق إيضاحه".
ويورد المؤلف بعض الأشعار النبطية أو الحمينية كما يسميها، ومنها قصيدة دغيم الظلماوي التي مطلعها:
يا كليب شب النار يا كليب شبه
عليك شبه والحطب لك يجابي
ثم يقول: "ولما أشكل علي كتابة هذا النظم من ألفاظ ناقلية تجار الإبل من عرب نجد الذين يمرون على ميناء السويس سنويا قاصدين وطنهم وتعذر علي فهم بعض المعاني مع تشوقي لمعرفتها بعثت من عالم عارف بكلام البدو والحضر وشاعر ماهر في القريض والحميني وهو الشيخ الفاضل مبارك بن مساعد البسام النجدي المقيم آنذاك بجدة عما أشكل علي من قول الظلماوي السابق وعن نمر بن عدوان من شعراء نجد المشهورين". ثم بذكر جواب الشيخ مبارك على أسئلته وشرحه لقصيدة الظلماوي مع تعريف بالشعر الحميني "النبطي" ومقارنة بينه وبين الشعر الفصيح وطريقة نطق بعض الألفاظ النجدية مثل "الركاب" والتي يكتبها المؤلف "الرساب" ويبين له أنها كاف وأن أهل نجد ينطقونها نطقا قريبا من السين ويستشهد الشيخ مبارك ببيت شعر للشيخ تركي بن حميد ويقارنه ببيت لأمرئ القيس، ويذكر أنه التقى بتركي بن حميد وأنه توفي منذ سنوات، ثم يورد تعريفا مختصرا بالشاعر الكبير محمد العبد الله القاضي "ت 1285هــ" ويتبعه ببعض قصائده، ومطالع القصائد التي أوردها هي:
أبصرت بالدنيا وفيضت مكتوم
ما حن في لجات قلبي وحامي
إذا أبصرت بالدنيا تكدر لي الصافي
وتعذر زماني ما حصل صاحب صافي
حل الفراق وبيح السد مكنون
قلب تعايوا فيه شطرين الأطباب
#2#
ويتبعها المؤلف بإيراد قصيدة القاضي في القهوة والتي مطلعها عنده:
يأمل قلب كل ما التم الإشفاق
من عام الأول به دواكيك وخفوق
ويورد خبرها وسبب نظم الشاعر لها، ويذكر أنه روى هذه القصيدة عن كل من: حمد الجريفاني وعبد العزيز بن محمد، وصالح بن عبد الله من أهالي بريدة بنجد.
ثم ينتقل المؤلف ليذكر بعض أشعار نمر بن عدوان ثم قصيدة نادرة للشريف راجح قالها في فتاة نجدية حسناء رآها أثناء الحج فعشقها وهام بحبها عدة سنوات ونظرا لندرة هذه القصيدة سأوردها هنا، يقول الشريف راجح:
كم دون أهلنا من عدامه وله بوب
من غيضة فيها الوضيحي تثنى
يا عنبر جانا من الشرق مجلوب
يا غلو مشراها على اللي تمنى
نفرح إذا جانا من الشرق منجوب
ونكره إذا قفوا هل الشرق عنا
نحبهم كلهم على شان خرعوب
راعي قرون فوق متنه تثنى
ذا لك ثمان سنين يا عنق الاشبوب
بالك مريح وبال راجح معنى
ويستمر المؤلف في الاستشهاد ببعض القصص والأشعار، فيذكر لنا قصة أعرابي عشق ابنة عمه لكنه لم يستطع الزواج بها تقول الحكاية كما أوردها المؤلف: "وكان أعرابي يدعى أبو مهلهل من عرب الرويلة (الرولة) بأطراف نجد عشق ابنة عمه المسماة دريعة وتكتم ذلك مع شدة الغرام إلا أنه سعى فيما يوجب فراقه من أبيه والإقامة عند عمه المذكور لئلا تظن العرب به سوءا أو ينكشف أمره للوشاة فتم مشروعه، واستمر عند عمه بضع سنين وهو لا يتمتع بنيل محبوبته التي تحبه كمحبته لها، وأخيرا زوجها أبوها لغيره كثير المال، فقال وقد فرغ صبره وازداد وجده يعاتب عمه وملمحا إلى أن كرم أبيه سبب الفقر الذي هو فيه:
يا راكب اللي بالردف تقل مرجي
وألا ظليم جافل مع زراجي
وإلا حمام طار من فوق برجي
إلا ما حلا مرواحهن بانزعاجي
ويورد القصيدة في تسعة أبيات. وهذا الشاعر هو محمد بن مهلهل بن شعلان أحد شعراء الرولة المعروفين وقد عاش في النصف الثاني من القرن الثالث عشر الهجري. ويعقب بعد هذه الأخبار والأشعار قائلا: "ومما ذكر يتحقق أن العرب ما زالوا متمسكين بسجاياهم التي هي عين مكارم الأخلاق ولم يزل الشعر سواء كان قريضيا أو حمينيا ديوان أعمالهم وجريدة أحوالهم، كما أنهم لا يزالون يشنون الغارة على بعضهم ويتفاخرون بالشجاعة والفروسية فيما بينهم، ويصرون على أخذ الثأر ولو كان يوجب الدمار". ويتبع ذلك بخبر طريف سمعه من العلامة سالم بن أحمد بن محسن العطاس مفتي مملكة جهور الواقعة شمالي أستراليا.
وتعتبر النماذج الشعرية النبطية التي وردت في هذا الكتاب من أقدم ما طبع من الشعر النبطي في كتاب لمؤلف عربي إن لم تكن الأقدم.
###عن العقيلات
ثم يتحدث المؤلف عن العقيلات وأخلاقهم وزيهم وطريق تجارتهم فيقول: "وقد شاهدت تجار الإبل من أهل نجد أثناء مرورهم على السويس ومع كونهم في المنزلة من أوساط قومهم إلا أنهم خيرة الرجال ومثال الكمال، وزيهم الكوفية والعقال، حتى الرعاة المرافقين لهم بهذه الصفات، وطريق تجارتهم هي أن يسيروا من نجد بالإبل والخيل العربية قاصدين الشام وما جاورها ومنها إلى غزة ثم إلى القطر المصري عن طريق الإسماعيلية، وبعد المبيع يقصدون بلادهم فيسافرون بحرا من السويس إلى ينبع أو جدة ومنها برا إلى المدينة المنورة أو مكة المكرمة ثم إلى ديارهم النجدية وهو سفر طويل محفوف بالأتعاب والأخطار، وقد شاهدتهم وهم يصنعون القهوة .."، ثم يصف طريقة طبخهم للقهوة بأسلوب جميل ويبين أهميتها بالنسبة لهم، معرجا على مدح صفة الكرم التي يتصفون بها، خاتما بذلك هذا الفصل. وفي فصل آخر ترجم المؤلف لبعض العلماء. يقول المؤلف في إطار حديثه عن الشعر:
"فوجدتها (بلاد العرب) لم تزل بيضته الكريمة (أي بيضة الشعر) ودرته اليتيمة حافظة لعلو مقامه إذا غاب السيف يقوم في التحكيم مقامه لا يتكلفون مثلنا في نظم القصيد ولا يحشونها بكلمات معجمة لا تفيد. وقد تولى عندهم ما يعرف بــ "الحميني" (يقصد النبطي) يجذب السمع بلطفه كرنة العسجد واللجين أما ما يضمنونه في أشعارهم الحالية من المعاني فلم يتغير عما كانت عليه في الزمن الفاني، تارة يمدحون بها القبائل ويتفاخرون باتباع خطة الأوائل، يقولون إن سكن الصحراء والوديان أشرف للنفس وأعز من المدن والبلدان، وطورا يصفون الوقائع الحربية ويذكرون أسماء أهل الشجاعة والفروسية وقد ساعدني الحظ فجالست بعضهم وسمعت نظم الحميني بألفاظهم فانشغفت به وغازلته فنطقت به مثلهم، وهو متوافق القوافي والأوزان ولا يدخل في موازين العروض كما سبق إيضاحه".